د. عيدروس نصر النقيب
متى سنتعلم من الهزائم والانتصارات؟؟
السؤال موجه للأشقاء في التحالف العربي.
لنَعُدْ إلى نقطة البداية.
عندما أعلنت عاصفة الحزم نصرةً للشرعية اليمنية وسعياً لإعادتها إلى العاصمة اليمنية صنعاء كان جهابذة العسكرية اليمنية قد ولوا الإدبار باتجاه المنافي المختلفة وكانت عدن والجنوب ، بجانب مناطق في الجوف ومأرب مسارحً للعمليات العسكرية ضد الجماعة الانقلابية التي استخدمت أقوى جيش في التاريخ اليمني وأعتى مليشيات على الجغرافيا اليمنية في زحفها على المدن والمحافظات.
قاوم الجنوبيون بلا خبرة وبلا سلاح وبلا عتاد وأحيانا بلا قيادة، لكن بإرادة تفوق كل إرادة توقا للحرية ورفضا لربع قرن إضافي من التبعية والإلحاق والاستعباد المعنوي والروحي والمادي، وفي ثلاثة أشهر اندحرت المليشيا والجيش الانقلابيين وانتصرت الإرادة على الدبابة والمدفعية والقناصة وكل أشكال العتو والإجرام، ولا بد من الاعتراف أن هذا الانتصار ما كان له أن يتحقق لولا تظافر الإرادة الجنوبية والدعم السخي للأشقاء في التحالف العربي، بيد إن هذا الدعم لا يساوي أجزاء مئوية من الدعم الذي حصل عليه الأشقاء في جبهات المقاومة الشمالية، ولست بصدد المفاضلة بين ما تحقق في الجنوب وما تحقق في الشمال، لكنها حقائق لا بد أن تقال.
* * *
على مدى سبع سنوات نجح الجنوبيون في الوفاء بتعهداتهم للتحالف العربي في حماية الأراضي المحررة من الجماعة الانقلابية، بجانب دحر الجماعات الإرهابية (داعش والقاعدة) من شبوة وأبين وساحل حضرموت واستئصال جيوبها من عدن ولحج وحيثما وجدت ولم يتمكن لا الإرهابيون الدواعش والقواعد ولا الإرهابيون الحوثيون من استعادة شبر واحد من أراضي الجنوب رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الجنوبيون، لكن “الجيش الوطني” الذي ابتلع قادته مئات المليارات من الريالات السعودية ومئات الملايين من الدولارات سلم ثلاث محافظات (الجوف والبيضاء و12 مديرية من مديريات مأرب الــ 14) وانسحب تكتيكياً من فرضة نهم إلى قرن الكلاسي بجوار مدينة شقرة الواقعة على بحر العرب في أغرب وأطرف وأمَرَّ انسحاب تكتيكي في تواريخ الحروب والجيوش على مستوى العالم.
كان الأشقاء يدعمون “الجيش الوطني” بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً وكان قادة الجيش الأشاوس يقسمون نصف تلك الأسلحة ويسلمونها للحوثيين بحجة الانسحاب وترك المخازن والمعسكرات بكامل تجهيزاتها غنيمة لإخوتهم في الرضاعة، فيتحول هذا النصف من أسلحة الأشقاء إلى صدور الجنوبيين في جبهات الضالع ومريس والفاخر وكرش وطور الباحة وعقبة ثرة بينما يستخدم “الجيش الوطني” النصف الآخر من تلك الأسلحة لمحاربة الجنوبيين في جبهات شقرة والطرية والشيخ سالم وفي مطاردة الناشطين الجنوبيين في عتق ونصاب وحبان وعسيلان ومودية ولودر وسيؤون وشبام والقطن وتريم، وهكذا صار دعم الأشقاء اداة لقتل الجنوبيين مرتين: مرة على ايدي الحوثيين عبر الغنائم التي سلمها لهم “الجيش الوطني”، ومرة على أيدي “الجيش الوطني” نفسه في جبهات المواجهة التي افتعلها للهروب من مواجهة إخوانه في الرضاعة ولم يسأل احد لا في التحالف العربي ولا في الرئاسة الشرعية كيف يحصل ما يحصل من هزائم ومن غنائم يحصدها الحوثيون بلا مقاومة وبلا مقابل.
سلم “الجيش الوطني ” مديريات بيحان الثلاث للحوثيين بلا مقاومة وقال البعض: عربوناً لصداقة قادمة قد تنتقل من السر إلى العلن ولم يسائل أحدٌ قيادة الجيش ووزارة الدفاع عن هذه الهزيمة “الممنتجة”، بينما ظل المراقب يتساءل: كيف لجيش التهم كل هذه المليارات لم يستطع أن يحمي منطقة استراتيجية مثل بيحان ويسلمها بهذه السهولة مثلما كانوا يتساءلون كيف ينسحب هذا الجيش من أهم نقطة استراتيجية لا تبعد عن صنعاء سوى ثلاثين كيلو مترا هي فرضة نهم؟ لكن “جيشنا الوطني” له اسرار (مهنية) وقال البعض (مهينة) لا يعلمها إلا الله والراسخون في علوم الانسحابات التكتيكية.
وعندما صدر القرار الرئاسي بإعفاء محافظ شبوة السابق وتعيين المحافظ الجديد الأخ عوض محمد بن الوزير، وتحركت قوات العمالقة الجنوبية باتجاه بيحان لم تصبر هذه القوات لتنتظر الإذن من أحد كي تحرر مديريات بيحان الثلاث في أقل من اسبوعين، وهو ما عجز عنه “الجيش الوطني” على مدى ثلاثة أشهر.
لست من محبي التحدث عن الأشخاص بالخير أو بالشر لأنني أؤمن أن الانتصارات لا تصنع إلا بإرادة جماعية والهزائم لا تنتج إلا بفعل جماعي، ومع ذلك فلا زلت مقتنعا بمقولة نابليون بونابرت الشهسرة “بأن جيشاً من الثعالب يقوده أسد يمكن أن يهزم جيشا من الأسود يقوده ثعلب” فما بالنا عندما يكون الجيش من الأسود ويكون قائده أسداً.
لا شك أن أحداً لم يسمع عن عبد الرحمن صالح زين بن عقيل المحرمي عدا رفاقه وأترابه، فهو لا يملك شركاتٍ ولا وكالات تجارية أو استثمارية وليس شريكا في شركات التنقيب عن النفط وإنتاجه والاتجار به وتهريبه ولن يسطُ على مخططات عقارية تصل إلى عشرات الكيلومترات المربعة ولا اسواق لبيع الخضار والفواكه ولا أسهم في البنوك والشركات التجارية ولا ودائع بنكية في أوروبا وآسيا كما إنه لم يستلم ولا يستلم راتبا شهريا بمئات الآلاف من الريالات السعودية وليس لديه أجنحة في فنادق الدول الشقيقة، لكنه يتقدم قواته في المعارك ويرفع الشهداء منهم على كتفه ويضمد جراح الجرحى بيديه، ولا يقبل أن يرى جنديا منكسرا من جنوده، فيرفع معنوية الجميع ويسابق الجميع لمقاومة الموت والخطر، . . . ومثل عبد الرحمن المئات والآلاف من القادة العسكريين الجنوبيين الذين قلما مشوا بلباس غير معفر بغبار المعارك ودخان القذائف وقلما سكنوا الفنادق الفخمة أو ركبوا السيارات الفارهة.
ذلك هو أبو زرعة المحرمي قائد ألوية العمالقة التي ما دخلت معركة إلا وخرجت منها منتصرةً بينما تنهزم جيوش أصحاب الشركات الاستثمارية ومهربي المشتقات النفطية، وذلك هو الفرق بين قادة الخنادق وقادة الفنادق.
الخلاصة:
تحرير عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة من الجماعة الحوثية في أقل من مائة يوم، وتحرير بيحان من الاحتلال الحوثي الثاني في 12 يوم على يد القوات الجنوبية، مقابل تسليم فرضة نهم ومحافظة الجوف وأغلبية مديريات مأرب وكل مديريات البيضاء ثم مديريات بيحان للجماعة إياها من قبل “الجيش الوطني” جعل الكثير من المراقبين يتساءلون: كم من الهزائم ينبغي أن تتجرعها الشرعية اليمنية ومعها التحالف العربي ليتعلموا منها التمييز بين الحلفاء الحقيقيين والحلفاء المخادعين الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون ويتلقون الدعم من الأشقاء فيتقاسمونه من أعداء هؤلاء الأشقاء، ويعادون من يحالفهم ويتحالفون مع من يدعون معاداته؟.