هل يتجه المجلس الانتقالي إلى التهور أم يحسن إدارة المكاسب؟
عويس القلنسي
في خضم تعقيدات المشهد اليمني، وتداخل الأجندات المحلية والإقليمية، يبرز سؤال جوهري يفرض نفسه على السا...
في خضم تعقيدات المشهد اليمني، وتداخل الأجندات المحلية والإقليمية، يبرز سؤال جوهري يفرض نفسه على الساحة السياسية: هل يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي أن ينزلق إلى صدام مباشر مع التحالف العربي والشرعية التي أصبح جزءًا منها، أم أن حساباته السياسية باتت أكثر نضجًا من الوقوع في فخ التهور؟
من يقرأ سلوك الانتقالي خلال السنوات الماضية، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي والخطاب التعبوي، يلاحظ أن مسار الحركة لم يكن عشوائيًا أو اندفاعيًا كما يُصوَّر أحيانًا. فقد انتقل الانتقالي من كونه فاعلًا ميدانيًا إلى طرف سياسي معترف به إقليميًا، ونجح في تثبيت حضوره داخل المعادلة الرسمية عبر اتفاق الرياض ومشاركته في مجلس القيادة الرئاسي. هذا التحول لم يكن ليحدث لولا إدراك قيادته لحساسية التوازنات وتعقيد المصالح.
التصادم مع التحالف العربي، في هذا التوقيت تحديدًا، لا يبدو خيارًا عقلانيًا لأي طرف، وبالأخص للانتقالي. فالدعم الإقليمي والغطاء السياسي والدولي الذي يتمتع به اليوم هو أحد أهم مصادر قوته، وأي خطوة انفعالية قد تؤدي إلى فقدان هذه المظلة ستعيده إلى مربع العزلة، وتفرغ ما تحقق من إنجازات من مضمونها السياسي.
كما أن المكاسب التي حققها الانتقالي، رغم أهميتها، لا تزال في إطار “الواقع السياسي القابل للتغيير”، وليست مكتسبات سيادية نهائية. فهي نتاج توازنات مرحلية، يمكن تعزيزها بالحكمة والتدرج، كما يمكن خسارتها بسرعة إذا ما أسيء تقدير اللحظة أو تم الرهان على التصعيد بدل التفاوض.
إضافة إلى ذلك، فإن الانتقالي، بحكم موقعه الحالي، لم يعد حركة خارج النظام السياسي، بل جزءًا منه، حتى وإن احتفظ بخطاب مختلف لجمهوره. هذا الموقع يفرض عليه مسؤوليات مضاعفة، ويجعل أي خروج حاد عن الإطار المتفق عليه إقليميًا ودوليًا مغامرة عالية الكلفة، ليس عليه وحده، بل على الجنوب وقضيته برمتها.
لا يمكن إنكار وجود ضغوط داخلية، ولا تيارات شعبية تطالب بخطوات أكثر جرأة، وربما أكثر سرعة، غير أن التجربة الجنوبية، بتراكم إخفاقاتها التاريخية، علمت الجميع أن القرارات المتسرعة غالبًا ما تُدفع أثمانها من دم الناس واستقرارهم، لا من شعارات المنصات.
في المحصلة، يبدو أن المجلس الانتقالي حتى الآن.. يفضّل إدارة التناقضات بدل تفجيرها، والضغط السياسي تحت السقف بدل كسره. وهي مقاربة قد لا تُرضي جميع أنصاره، لكنها أكثر انسجامًا مع منطق السياسة، وأكثر حفاظًا على ما تحقق من حضور وتأثير.
فالسياسة ليست سباق شعارات، بل فن إدارة الممكن، ومن يحسن قراءة اللحظة يحسن الحفاظ على مكاسبه، حتى تحين لحظة أكثر ملاءمة لتحقيق الأهداف الكبرى بأقل الخسائر الممكنة.