هل يتجه المجلس الانتقالي إلى التهور أم يحسن إدارة المكاسب؟
عويس القلنسي
في خضم تعقيدات المشهد اليمني، وتداخل الأجندات المحلية والإقليمية، يبرز سؤال جوهري يفرض نفسه على السا...
لم تكن سقطرى يومًا جزيرة صاخبة في السياسة، ولا طرفًا متقدمًا في صراعات البر اليمني، بل ظلت ـ بحكم الجغرافيا والتاريخ وطبيعة المجتمع ـ مساحة هادئة، تميل إلى السكينة أكثر من الميل إلى الاستقطاب، وإلى الإنسان أكثر من الشعارات غير أن ما تشهده الجزيرة في الآونة الأخيرة يفرض سؤالًا جوهريًا: هل كان من الحكمة الزج بسقطرى في واجهة المشهد السياسي والإعلامي في لحظة إقليمية ووطنية شديدة الاضطراب؟
كان الأجدر بالسلطة المحلية وبالإعلاميين السقطريين أن يلتزموا ـ لا نقول الحياد الإيجابي ـ بل على الأقل الصمت، وأن ينأوا بالجزيرة وبشعبها الفقير، المحاصر بالمحيط والأمواج من كل الجهات، عن دوائر الصراع والاستقطاب فالصمت في مثل هذه اللحظات ليس ضعفًا، بل قد يكون أرقى أشكال الحكمة، وأقربها إلى حماية الناس ومصالحهم.
لقد كان الأولى أن تُدار شؤون سقطرى بهدوء، وأن يُعمل بصمت، وبعيدًا عن الأضواء، مراعاةً لخصوصية الجزيرة وظروف أهلها، بدلًا من تصدّر المشهد الإعلامي والسياسي، فيما يدفع الثمن المواطن البسيط. المرضى الذين يحتاجون إلى السفر، والطلاب المرتبطون بمستقبلهم التعليمي، والعاملون في الخارج الذين باتوا أسرى للقرارات والتجاذبات، جميعهم لا يملكون ترف الاصطفاف، ولا قدرة لهم على تحمّل تبعات الصراعات.
إن سقطرى، بحكم موقعها المعزول وهشاشة بنيتها الخدمية والاقتصادية، ليست مهيأة لتحمل كلفة المواقف العالية السقف، ولا أن تكون ساحة لتبادل الرسائل السياسية. فهي جزيرة تعيش على الحد الأدنى من الإمكانيات، وأي اهتزاز في الاستقرار أو العلاقات المحيطة بها ينعكس مباشرة على حياة الناس اليومية، لا على النخب ولا على المتصدرين للمشهد.
ولم تكن سقطرى يومًا طرفًا في صراعات البر اليمني، ولا معنية بأن تُستدرج إلى معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل. تاريخها الاجتماعي قائم على التعايش والبساطة، وعلى إدارة الخلافات بعقل جمعي هادئ، لا بعقلية الغلبة والمواجهة.
ومن هنا، فإن البقاء في الظل، وعدم الانخراط في الاستقطاب، كان سيكون خيارًا أكثر حكمة، وأقرب إلى مصلحة الجزيرة وأهلها.
إن القول بالحياد السقطري ليس موقفًا انتهازيًا ولا هروبًا من المسؤولية، بل هو تعبير صادق عن واقع الجزيرة وطبيعتها نحن، كسقطريين، لسنا في موقع الخصومة مع أحد، ولسنا في حالة عداء مع من يمسك بزمام الأمور في الجنوب، ولا نبحث عن صدام أو اصطفاف.موقفنا كان ولا يزال قائمًا على الحياد الطبيعي الذي فرضته الجغرافيا قبل السياسة، والإنسان قبل الشعارات.
ما تحتاجه سقطرى اليوم ليس مزيدًا من الخطابات، ولا سباقًا على الظهور، بل إدارة هادئة، وخطابًا مسؤولًا، يضع مصلحة المواطن فوق أي اعتبار، ويحمي الجزيرة من أن تتحول إلى ورقة ضغط أو ساحة صراع. فحين تُترك سقطرى لأهلها، وتُدار بعقل بارد، وبوصاية الضمير، يمكن لها أن تبقى كما كانت: جزيرة للسلام، لا منصة للصراع.