صالح أبوعوذل

ما الذي يمتلكه رشاد العليمي اليوم… غير الدبابة السعودية؟

وكالة أنباء حضرموت

لم أُعر اجتماعات وبيانات رشاد العليمي السابقة أي اهتمام، غير أن لقاءه الأخير بقيادة وزارة الخارجية، ممثلة بوزيرها شائع الزنداني، كان مختلفًا. البيان صيغ بانضباط واضح، لكنه لم يُظهر ما دار خلف الكواليس، وهو ما أثار فضولي الصحفي.

أجريت ثلاثة اتصالات بثلاثة دبلوماسيين جنوبيين بارزين شاركوا في اللقاء عبر تقنية الاتصال المرئي. كان السؤال لكل واحد على حدة: ماذا دار في الاجتماع؟
تمحورت معظم الإجابات حول لغة تهديد وتلويح بتدخل عسكري سعودي وعُماني، وحديث عن دبابات وطائرات عسكرية حديثة، واحتمال اندلاع “حرب أهلية جنوبية–جنوبية”، في تلويح بوجود رغبة إقليمية لإحداث تصادم بين قوات درع الوطن والقوات الجنوبية.
من غير المنطقي أن تُغامر المملكة العربية السعودية، راعية الاتفاقات، بتجاوز حدودها بجنازير الدبابات نحو حضرموت والمهرة، من أجل إعادة رشاد العليمي إلى عدن رئيسًا لمجلس قيادة رئاسي، في وقت تجاوزت فيه المتغيرات المشهد السياسي، وقفز الجنوب من معادلة الأزمة اليمنية إلى معادلة البحث عن الحلول، ليس للداخل فقط، بل للإقليم والعالم.

تطورات المشهد في حضرموت لا تُعد، وفق بيانات الأمم المتحدة والبعثات الدولية، تطورات خطيرة تستدعي التصعيد، بل دعت تلك البيانات إلى خفض التوتر. ولم يعد هناك تصعيد فعلي سوى من أطراف ترى في الحوثي حليفًا مستقبليًا في مواجهة الجنوب.

على مدى أكثر من عشرين يومًا، يحاول رشاد العليمي انتزاع مواقف إقليمية ودولية داعمة له، دون جدوى. تتكرر اللغة ذاتها: تحذير، تخويف، تلويح بالقوة، واستدعاء الخارج بوصفه الضامن الأخير لبقاء رئيس لم يتبقَّ حوله سوى وزير الخارجية ونائبه ومدير مكتبه، فيما انفضّ الباقون من حوله.

يقول مصطفى النعمان، المعيّن نائبًا لوزير الخارجية بضغوط إقليمية، إن مجلس القيادة الرئاسي، الذي تشكّل نتيجة مشاورات رعتها السعودية عام 2022، لا يمتلك شرعية دستورية أو قانونية، وإنه مفروض من الخارج، في إشارة اتهامية مباشرة للمملكة.

لا يخشى العليمي اليوم سوى أن تكون التطورات الجارية قد تجاوزته فعليًا. أما الرهان على “الدبابة السعودية” التي يلوّح بها، فيصطدم بحقيقة أن أي تدخل عسكري خارجي يتطلب اجتماع مجلس القيادة الرئاسي والموافقة عليه، في وقت تغيّر فيه المشهد، وتؤكد الجهود الأممية على خفض التصعيد. بل إن الأمين العام للأمم المتحدة وجّه رسالة واضحة، دون تسمية، إلى أطراف إقليمية فاعلة، مطالبًا بوقف التصعيد.

ينص قرار نقل السلطة على أن تُتخذ القرارات بالتوافق والتشاور بين أعضاء المجلس، غير أن أربعة من أعضائه – عيدروس الزبيدي، فرج البحسني، عبدالرحمن المحرمي، وطارق صالح – باتوا على خلاف مع العليمي بسبب انفراده بالقرار منذ تشكيل المجلس. فيما يقف عضوان، هما عثمان مجلي وعبدالله العليمي، في موقع الحياد الظاهري، رغم اختلافهما العميق معه.

ما قاله رشاد العليمي يمثل انتحارًا سياسيًا مكتمل الأركان. فقد خسر تقريبًا كل أدوات التأثير، وأي تسوية سياسية قادمة، إن حدثت، ستبدأ بتجاوزه قبل الشروع في أي نقاش جدي. في المقابل، يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي على ضرورة التحقيق في دور العليمي في ملفات إقليمية ومحلية.

العليمي يفتقر إلى أدوات التأثير داخل الجغرافيا التي يُفترض أنه يحكمها: لا نفوذ فعليًا على الأرض، ولا سيطرة أمنية موحدة، ولا خطابًا سياسيًا مقنعًا.

وإذا استبعدنا الدعم الإقليمي، والخطاب التحذيري، واستدعاء فزاعات الحرب والمجاعة، يبقى السؤال واقعيًا لا استفزازيًا:
هل ما زال العليمي يملك خيار السياسة؟ أم أنه يختزل الدولة في دبابة لا يملك مفاتيحها؟

الدول لا تُدار بالخوف، ولا تُبنى بالإنذارات، ولا تُحفظ وحدتها بتهديد الشركاء. ومن يراهن على القوة وحدها يكتشف، عاجلًا أم آجلًا، أنها آخر ما يُفقد، لا أول ما يُستخدم.

مقالات الكاتب