هواء إيران القاتل: حين يتحوّل التلوّث إلى سلاح بيد نظام ولاية الفقيه
منصور رخشاني
في كلّ شتاء، تتكرّر المشاهد نفسها في المدن الإيرانية الكبرى:سماءٌ رمادية خانقة، مؤشّرات تلوّث تتجاوز...
في كلّ شتاء، تتكرّر المشاهد نفسها في المدن الإيرانية الكبرى:
سماءٌ رمادية خانقة، مؤشّرات تلوّث تتجاوز الخطوط الحمراء، مدارس وجامعات تُغلَق، ومستشفيات تمتلئ بمرضى الجهاز التنفسي والقلب. لكنّ ما يبدو للبعض أزمة بيئية موسمية، هو في الحقيقة أحد أخطر وجوه الأزمة البنيوية لنظام ولاية الفقيه في طهران.
إيران اليوم من بين أكثر دول العالم تلوّثاً في الهواء. ومع ذلك، يتعامل النظام مع هذه الكارثة كما لو أنّها «قدر طبيعي» لا علاقة له بها، بينما تؤكّد الأرقام والوقائع أنّ التلوّث في إيران صناعة سياسية قبل أن يكون نتيجة لعوامل مناخية أو جغرافية.
أزمة يمكن إدارتها… تحوّلت إلى كارثة مزمنة
في معظم دول العالم، تُواجَه مشكلة التلوّث عبر خطط طويلة الأمد:
تجديد أسطول السيارات، تشديد المعايير على المصانع، الاستثمار في الطاقة النظيفة، وشفافية عالية في نشر الأرقام والتقارير.
أمّا في إيران، فقد تحوّل الملف إلى مرآة لفساد النظام وسوء إدارته:
• أكثر من ٧٠٪ من تلوّث هواء طهران ناتج عن وسائل نقل قديمة ومتهالكة، في بلد تشير تقديرات خبراءه إلى أنّه يضمّ أكثر من ١٠ ملايين سيارة متهالكة لا تزال في الشوارع.
14040902 گزارشی جامع سر آلودگی …
• وقود البنزين والديزل في كثير من الحالات خارج المعايير الدولية؛ في بعض السنوات وصلت نسبة الكبريت في وقود الديزل إلى عشرين ضعفاً للمعيار العالمي.
14040902 گزارشی جامع سر آلودگی …
• في الشتاء، تلجأ محطّات الكهرباء والمصانع إلى حرق «المازوت» الرديء في ضواحي المدن وأحياناً داخلها، فقط لأنّه أرخص وأسهل، بغضّ النظر عن الكلفة الصحية والبشرية.
هذه ليست أخطاء تقنية، بل قرارات سياسية واضحة:
النظام يفضّل توفير كلفة التحديث والاستثمار، على حساب صحّة ملايين المواطنين.
أرقام صادمة: موتٌ صامت لا يظهر في نشرات الأخبار
الهواء الملوّث لا يُسقط الأبنية ولا يُصدر دويّ انفجار، لكنه يقتل بصمت وعلى مدار العام.
بحسب تقييمات علمية متداولة داخل إيران، يؤدّي تلوّث الهواء سنوياً إلى:
14040902 گزارشی جامع سر آلودگی …
• مقتل ما بين ٣٠ إلى ٤٠ ألف شخص بشكل مباشر بسبب أمراض تنفسية وقلبية مرتبطة بالتلوّث.
• آلاف الوفيات غير المباشرة بسبب تفاقم الأمراض المزمنة.
• عشرات الآلاف من الإصابات طويلة الأمد، بينها أمراض الرئة والقلب وبعض أنواع السرطان.
• تضرّر صحّة الأطفال الذين ينمون في بيئة ملوّثة بشكل دائم.
اقتصادياً، يطرح الخبراء أرقاماً بمليارات الدولارات سنوياً:
• أيّام عمل مهدورة بسبب إغلاق المدارس والإدارات،
• تكاليف علاج طبية باهظة،
• وتآكل في رأس المال البشري نتيجة المرض المبكر والعجز عن العمل.
مع ذلك، ترفض وزارة الصحّة الإعلان بشفافية عن أرقام الوفيات المرتبطة بالتلوّث، وتتعامل معها كـ«تفصيل مزعج» لا يجب أن يظهر في الإعلام.
عندما يصبح الهواء أداة قمع
الخلفية الأخطر في هذه الكارثة أنّها ليست قدراً طبيعياً.
ففي مدن أكبر وأكثر اكتظاظاً من طهران حول العالم، لا يصل مؤشر جودة الهواء (AQI) إلى المستويات «الخطيرة» التي باتت شبه اعتيادية في إيران. في طهران ومدن صناعية أخرى مثل أصفهان وأراك والأهواز، يتجاوز المؤشر كثيراً عتبة ٢٠٠، وأحياناً يقترب من ٣٠٠–٤٠٠ في بعض مناطق خوزستان؛ أي مستوى «خطر على الجميع».
14040902 گزارشی جامع سر آلودگی …
السبب بسيط:
• لا تجديد حقيقياً لأسطول النقل.
• لا استثمار جدّياً في الطاقة النظيفة.
• شركات تابعة للحرس الثوري تستفيد من عقود الوقود الرخيص والمصانع الملوِّثة.
• مؤسسات البيئة خاضعة لنفوذ الحرس، وليست مستقلة.
• المعايير تُعدَّل وتُخفَّف على الورق كي تبدو الأرقام «مقبولة».
بهذا المعنى، يتحوّل الهواء نفسه إلى سلاح قتل بطيء في يد النظام.
الضحية هو المواطن الذي لا يُعدّ «خسارته» مشكلة سياسية ما دام لا يظهر في الشارع ولا يهتف ضدّ السلطة.
جذور الأزمة: أولويّة الحرس الثوري على حياة الناس
جوهر المشكلة أنّ نظام ولاية الفقيه ينظر إلى البيئة على أنّها «عائق» أمام مشاريعه، لا حقّاً أساسياً للمواطنين.
حين يتعارض مشروع نفطي أو عسكري للحرس الثوري مع حماية الأنهار والأراضي الرطبة (مثل تجفيف بعض الأهوار لمشاريع نفطية)، تُضحّى البيئة بلا تردّد.
الترتيب الحقيقي للأولويات في طهران واضح:
1. تمويل الأجهزة القمعية والميليشيات الإقليمية.
2. دعم المشاريع المرتبطة بالحرس الثوري والشركات التابعة له.
3. ثم – في آخر القائمة – تأتي صحّة المواطن العادي، إن بقي شيء من الميزانية.
لذلك لا تُفرَض غرامات جدّية على المصانع الملوِّثة، ولا تُطبَّق القوانين الموجودة أصلاً، ولا تُخصَّص موارد كافية لوسائل النقل العام أو الطاقة المتجددة.
كل شيء يُقاس بما إذا كان «يخدم مشروع النظام» لا بما إذا كان يحمي حياة الناس.
بيئة متفسّخة في ظلّ نظام متفسّخ
أزمة الهواء ليست منفصلة عن باقي أزمات إيران اليوم:
• انهيار العملة،
• اتّساع رقعة الفقر،
• أزمات الماء والجفاف،
• التلوّث الواسع للتربة والموارد.
كلّها تنتمي إلى منطق واحد: منطق نظام يعتبر الدولة مزرعة مغلقة، والشعب وقوداً لمشاريعه الأمنية والعسكرية في الداخل والخارج.
لذلك، لا يمكن التعامل مع التلوّث كملفٍ إداري أو تقني فقط.
إنه أحد وجوه حرب يومية صامتة ضدّ الإيرانيين، تُدار بأوامر من قم وطهران، وتُنفَّذ بقرارات وزارات وحكومات شكلية.
الخلاصة: لا هواء نظيفاً مع نظام ملوّث
يمكن لإيران، بمواردها البشرية والطبيعية، أن تتحوّل إلى نموذج في الإدارة البيئية والعلمية.
لكنّ وجود نظام ولاية الفقيه، بما يحمله من فساد وبنية عسكرية–أمنية مسيطرة على الاقتصاد، يجعل أي إصلاح جدّي شبه مستحيل.
لهذا السبب، يرى كثير من الناشطين والمعارضين في الداخل والخارج أنّ الحل البيئي الحقيقي يبدأ من الحلّ السياسي:
لا يمكن تنظيف هواء طهران وأصفهان والأهواز، بينما يبقى النظام الذي يصنع هذه الكارثة جالساً في قمّة السلطة.
بكلمات أخرى:
كما أنّ التلوّث في إيران ليس ظاهرة طبيعية، بل صناعة نظامية،
فإنّ الطريق إلى هواء نظيف يمرّ قبل كل شيء عبر تغيير النظام الملوَّث الذي حوّل البيئة إلى ضحية دائمة لمشاريعه.