رقصة الموت في طهران

رقصة الموت في طهران: كيف يكشف إرهاب النظام عن نهايته الوشيكة ولماذا لم يعد العالم يملك ترف التجاهل

في تحليلنا الدقيق للمشهد الإيراني المعقد، نرى أن النظام الحاكم في طهران يؤدي رقصة الموت الأخيرة. إن كل خطوة تصعيدية يتخذها، سواء كانت تخصيب اليورانيوم إلى مستويات حرجة تقربه من القنبلة النووية، أو تصعيد حملات الإعدام الوحشية ضد الشباب والنساء، أو إطلاق التهديدات الجوفاء عبر وكلائه في المنطقة، ليست كما تبدو للوهلة الأولى استعراضاً للقوة، بل هي في جوهرها أعراض تشنجية لجسد سياسي يحتضر. إن النظام الذي فقد شرعيته بالكامل في الداخل، وتحطمت هيبته في الخارج، لم يعد يملك أدوات للحكم سوى الإرهاب المطلق ضد شعبه والابتزاز النووي ضد العالم. هذه الاستراتيجية الانتحارية تكشف عن حقيقة بسيطة لكنها حاسمة: النظام يدرك أنه يخوض معركة وجودية خاسرة، وأن أي تراجع من جانبه سيعني انهياره الفوري. هذه اللحظة من الضعف غير المسبوق لا ينبغي أن تدفع العالم نحو الارتباك أو الخوف من حرب إقليمية، بل يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار يوقظ صناع القرار على حقيقة أن الفرصة سانحة الآن، وأكثر من أي وقت مضى، لتبني الخيار الثالث، الحل الوحيد القادر على استئصال سرطان الإرهاب من جذوره: دعم التغيير الديمقراطي بقيادة الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.

إن هذا الضعف القاتل يتجلى بأوضح صوره في الداخل الإيراني، الذي تحول إلى ساحة حرب حقيقية بين نظام معزول وشعب ثائر. الأرقام الرسمية التي يعلنها النظام نفسه هي أكبر شاهد إدانة ضده. فعندما يقر جهازه القضائي باعتقال ما يزيد عن 21 ألف مواطن بتهم “أمنية” خلال أشهر قليلة، فهذا ليس دليلاً على القبضة الأمنية، بل هو اعتراف رسمي بحجم الانتفاضة الصامتة التي تجري تحت السطح. وعندما تصل الإعدامات إلى مستويات قياسية تقارب الألف سنوياً، فإن الهدف ليس تطبيق العدالة، بل هو بث الرعب الممنهج في قلوب جيل جديد كسر حاجز الخوف. هذه الوحشية ليست رد فعل عشوائي، بل هي استجابة مباشرة للتهديد المنظم الذي تمثله شبكة “وحدات المقاومة” التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية. لقد نجحت هذه الوحدات في تحويل السخط الاقتصادي والاجتماعي إلى قوة سياسية فاعلة، منظمة، ومستمرة، مما جعلها الكابوس الأكبر للنظام، لأنها تقدم للشباب الغاضب هيكلاً تنظيمياً وبديلاً أيديولوجياً واضحاً، وهو ما يفسر الهستيريا التي يتعامل بها النظام مع أي شكل من أشكال المعارضة المنظمة.

هذا الزلزال الداخلي يتزامن مع انهيار استراتيجي كامل على الساحة الدولية. لقد انتهت اللعبة التي كان النظام يمارسها بمهارة لعقود: لعبة ابتزاز العالم بورقة البرنامج النووي. فبعد أن وصل بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60%، لم يترك للقوى الأوروبية، التي كانت تدعو للحوار، أي خيار سوى تفعيل آلية “الزناد” لإعادة فرض العقوبات الأممية. هذا الإجراء ليس مجرد عقوبة اقتصادية، بل هو إعلان دولي بأن النظام أصبح دولة مارقة ومنبوذة، مما سيقطع الشرايين المالية التي يستخدمها لتمويل وكلائه الإرهابيين في المنطقة من حزب الله إلى الحوثيين. وفي نفس الوقت، كشفت المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل عن أن “القوة الصاروخية” التي يتغنى بها النظام ليست سوى نمر من ورق، وأن قدرته على خوض صراع طويل ومباشر محدودة للغاية. لقد أصبح النظام معزولاً ومفضوحاً، بلا أصدقاء حقيقيين، وبلا قوة ردع حقيقية.

أمام هذا الواقع الجديد، يصبح التمسك بالخيارات القديمة ضرباً من الجنون السياسي. فسياسة الاسترضاء أثبتت فشلها الذريع، حيث أنها لم تفعل شيئاً سوى شراء الوقت للنظام ليصبح أكثر خطورة. وخيار الحرب، من ناحية أخرى، سيفتح أبواب الجحيم على منطقة لا تحتمل المزيد من الدمار. إن ضعف النظام الشديد يحررنا من هذه الثنائية الخاطئة ويضع “الخيار الثالث” على الطاولة كحل منطقي، أخلاقي، وفعال. وهذا الحل هو ما سيتردد صداه في قلب أوروبا، في *بروكسل، في السادس من سبتمبر*.

إن المظاهرة الحاشدة التي ستنظمها المقاومة الإيرانية في ذلك اليوم ليست مجرد تجمع للاحتجاج، بل هي إعلان سياسي للعالم بوجود بديل ديمقراطي جاهز وذي مصداقية. ستكون تلك المظاهرة بمثابة برلمان شعبي في المنفى، يقدم للعالم رؤية لإيران الغد من خلال *خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط*: جمهورية تقوم على فصل الدين عن الدولة، والمساواة الكاملة بين الجنسين، وإلغاء عقوبة الإعدام، واحترام حقوق القوميات، وإقامة علاقات سلمية مع العالم. إنها دعوة مباشرة للمجتمع الدولي للانتقال من سياسة التردد إلى سياسة الحزم، عبر فرض عقوبات “الزناد” فوراً، والاعتراف بالحق المشروع للشعب الإيراني في مقاومة الطغيان، وتقديم الدعم السياسي الكامل للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. إن دعم هذا الخيار ليس مجرد موقف أخلاقي، بل هو استثمار استراتيجي في أمن العالم واستقراره على المدى الطويل.
د. تيسير كريشان نائب برلماني أردني سابق