شافكات أليمبيكوف

التعاون الصناعي في فضاء منظمة شنغهاي للتعاون: من الحوار إلى التكامل في المشاريع

وكالة أنباء حضرموت

في ظل الحروب العقوباتية والتذبذب في الاقتصاد العالمي، تكتسب التعاون الصناعي بين دول منظمة شنغهاي للتعاون أهمية خاصة. من خلال الجمع بين الإمكانات البشرية الهائلة والموارد الطبيعية، تستطيع دول الأعضاء تشكيل سلاسل إنتاج مستدامة وتطوير صناعات مكملة لبعضها البعض.

سيساهم تطوير التعاون الصناعي في تعزيز الاستقلال التكنولوجي، وتوسيع فرص التصدير والاستثمار، وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وهو أمر بالغ الأهمية في سياق اضطرابات الإمدادات العالمية والمنافسة المتزايدة على الموارد والتكنولوجيات.

حتى عام 2025، تجمع دول منظمة شنغهاي حوالي 47% من سكان العالم (3.6 مليار نسمة)، منهم أكثر من 60% في سن العمل، وهو مورد مهم للنمو الصناعي. في عام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي المشترك لأعضاء المنظمة 30% من الناتج العالمي، وزاد حجم التجارة الخارجية بأكثر من 100 ضعف مقارنة بعام 2001. وشكل حجم الصادرات حوالي 20% من الصادرات العالمية، بقيادة الصين (3.5 تريليون دولار)، والهند (442 مليار دولار)، وروسيا (386 مليار دولار).

تجاوز حجم الاستثمارات في المشاريع المشتركة والتعاون الصناعي بين دول المنظمة 120 مليار دولار، مما ساهم في إدخال تقنيات مبتكرة، وتوطين الإنتاج، وتطوير سلاسل القيمة داخل المنطقة. تعكس المؤشرات الاقتصادية الكلية الحالية ليس فقط حجم الاقتصاد، بل أيضاً الإمكانات الصناعية الواسعة لدول الأعضاء.

ففي المرحلة الحالية، تُعد الصين الرائدة عالمياً في إنتاج الإلكترونيات، والهندسة الميكانيكية، والمنتجات الكيميائية، حيث يشكل إنتاجها الصناعي أكثر من 28% من الحجم العالمي. وتلعب روسيا، بفضل قاعدتها المواردية الكبيرة والمتنوعة، دوراً مهماً في قطاعات التعدين، والنفط والغاز، والصناعات الدفاعية، حيث توفر حوالي 12% من صادرات الموارد الطبيعية العالمية. وتُظهر الهند نمواً كبيراً في قطاعات الأدوية، وتكنولوجيا المعلومات، والنسيج، حيث تزيد صادراتها بنسبة 15-20% سنوياً. وتمتلك إيران، التي لديها بعض من أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم، صادرات تزيد عن 2 مليون برميل نفط سنوياً، وتطور صناعتها البتروكيماوية التي تشكل حوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتشتهر بيلاروسيا بمجمعها الهندسي الكبير وإنتاج الجرارات والشاحنات والآلات الزراعية، حيث يبلغ حجم صادرات هذه السلع حوالي 3.5 مليار دولار سنوياً.

تُظهر دول آسيا الوسطى تطوراً نشطاً في صناعات التعدين والتصنيع. فكازاخستان واحدة من أكبر مصدري اليورانيوم والنحاس، حيث نما الإنتاج الصناعي في البلاد بنسبة 7% في عام 2024. وتزيد قيرغيزستان وطاجيكستان من إنتاج الكهرباء والتعدين، مسجلتين نمواً مستقراً بنسبة 5-6% سنوياً. وتبقى تركمانستان مُصدراً رئيسياً للغاز، حيث توسع قدراتها في صناعة الغاز وتصدر 60 مليار متر مكعب سنوياً.

ومنذ عام 2022، تناقش الدول الأعضاء بفعالية وتعزز المبادرات المتعلقة بالتعاون الصناعي، وتوثقها في الوثائق النهائية. ففي قمة سمرقند (2022)، اعتمد المشاركون برنامجاً لتحفيز التعاون الصناعي بين مجتمعات الأعمال في دول المنظمة. وفي قمة بيشكيك (2023)، تمت الموافقة على مبادرة لإنشاء منصات مشتركة لتبادل الابتكارات التكنولوجية وأفضل الممارسات في الصناعة، بهدف تعزيز تنافسية الشركات من دول المنظمة في الأسواق الدولية. كما أكدت الوثائق النهائية على أهمية تطوير التجمعات الصناعية العابرة للحدود والقادرة على دمج سلاسل الإنتاج وتحسين الخدمات اللوجستية بين الدول. وفي هذا السياق، يُولى اهتمام خاص لتشكيل "ممرات صناعية خضراء" تهدف إلى تطبيق تقنيات صديقة للبيئة وتقليل البصمة الكربونية.

وفي عام 2024، في اجتماع رؤساء الدول في أستانا، تم دعم فكرة إنشاء صندوق استثماري مشترك لتمويل المشاريع الصناعية الواعدة، خاصة في قطاعات الهندسة الميكانيكية، والإلكترونيات، والصناعة الكيميائية. ويهدف هذا الصندوق إلى تحفيز التطوير الابتكاري وتحديث الإنتاج، وتعزيز التعاون الصناعي على أساس المنفعة المتبادلة.

لقد ساهمت المبادرات المعتمدة، والاهتمام الكبير بالتعاون الصناعي، ووجود البنية التحتية الصناعية في تعميق التعاون الصناعي بين دول المنظمة. على سبيل المثال، تعمل روسيا والصين بنشاط على تطوير التعاون في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة، والكيمياء، والتعدين، والتكنولوجيا. ومن أكبر المشاريع المشتركة مجمع الأمور الكيميائي للغاز، الذي تبنيه شركتا سيبور وسينوبك، ومن المتوقع أن ينتج ما يصل إلى 2.7 مليون طن من البوليمرات سنوياً بحلول عام 2027، ليصبح أحد أكبر المجمعات في العالم.

في إطار التعاون الروسي-الصيني، يتم إنشاء حدائق تكنولوجية مشتركة لتطوير الصناعات عالية التقنية، منها حديقة تشانغتشون العلمية والتكنولوجية الصينية-الروسية، وحديقة الابتكار الصينية-الروسية، ومركز التكنولوجيا العالية في سكولكوفو، التي تضم هياكل بحثية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات. وفي القطاع الصيدلاني، تم إنشاء أول معهد دولي للطب الحيوي والصيدلة في قوانغتشو في مايو من هذا العام، وهو مركز تعليمي وبحثي يضم مختبرات في روسيا والصين.

كما تم تنظيم الإنتاج المشترك للقاح سبوتنيك V في الهند بمشاركة مركز غاماليا (روسيا) مع شركات الأدوية الهندية Dr. Reddy’s Laboratories وHetero Biopharma، بطاقة إنتاجية تزيد عن 100 مليون جرعة سنوياً، ليصبح أحد أكبر أمثلة التعاون الروسي-الهندي في مجال التكنولوجيا الحيوية.

وتعمل إيران بنشاط مع الصين وروسيا في قطاع النفط والغاز. استثمرت الصين أكثر من 2 مليار يورو في تحديث مصفاة عبادان، مما زاد من تكرير النفط بنسبة 70%. وتخطط روسيا لاستثمار 8 مليارات دولار إضافية في مشاريع الغاز الإيرانية، تم توفير حوالي 5 مليارات دولار منها بالفعل في الاتفاقيات.

يُعد الحديقة الصناعية الصينية-البيلاروسية "الحجر العظيم" أحد أكبر وأنجح أمثلة التعاون الصناعي بين بيلاروسيا والصين. استثمرت بكين ما يقرب من 1.3 مليار دولار فيها، ومن المخطط إنشاء حوالي 5000 وظيفة بحلول نهاية عام 2025، بما في ذلك وظائف لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات. وتُعد هذه الحديقة منصة مهمة لتطوير التصنيع عالي التقنية والمبتكر، وجذب الاستثمارات الأجنبية.

في هذا السياق، تلعب روسيا والصين والهند، كاقتصادات رئيسية ضمن منظمة شنغهاي، دوراً كبيراً في دعم التصنيع وتطوير آسيا الوسطى. وتُروج هذه الدول بنشاط لمشاريع مشتركة في قطاعات مثل الطاقة، والهندسة الميكانيكية، والنقل، والصناعة الكيميائية، مما يساهم في تطوير الإمكانات الصناعية للمنطقة.

تستثمر الصين في المناطق الصناعية ومراكز الخدمات اللوجستية في كازاخستان (الحديقة الصناعية خورغوس بوابة الشرق)، وقيرغيزستان (منطقة بيرليك الصناعية)، وطاجيكستان (الحديقة الصناعية سغد)، وتجذب الاستثمارات إلى الحديقة الصناعية جيزاخ في أوزبكستان. حالياً، تُعد منطقة جيزاخ الصناعية الوحيدة في آسيا الوسطى التي تضم مصنع BYD أوزبكستان، والذي يلعب دوراً مهماً في زيادة الإمكانات الصناعية للمنطقة. تُنفذ هذه المشاريع في إطار مبادرة "الحزام والطريق" وتساهم في تطوير الصناعة وتحسين البنية التحتية للنقل في المنطقة.

كما تشارك الصين بنشاط في قطاع الطاقة المتجددة في أوزبكستان. في عام 2023، تم توقيع اتفاقيات لمشاريع بناء محطات طاقة شمسية ورياح بطاقة إجمالية 4.8 جيجاوات. وقد أكملت شركة China Gezhouba Group بناء المرحلة الأولى من محطات الطاقة الشمسية بقيمة 350 مليون دولار، بطاقة إجمالية 1000 ميجاوات. وبدأت شركة صينية أخرى ببناء محطة طاقة شمسية بقدرة 100 ميجاوات في منطقة تشوي في قيرغيزستان، والتي ستخلق حوالي 500 وظيفة. وفي طاجيكستان، تنوي شركة China Datang Corporation الحكومية بناء محطة طاقة شمسية بقدرة تصل إلى 500 ميجاوات في منطقة سغد.

وتنوع روسيا تعاونها من قطاع النفط والغاز إلى الزراعة، والصناعة الكيميائية، وصناعة السيارات. من بين المشاريع المهمة في كازاخستان زراعة الطماطم في البيوت الزجاجية على مساحة 500 هكتار باستثمارات 1.7 مليار دولار، وإنتاج الأسمدة بواسطة EuroChem بقيمة 1 مليار دولار، وإنتاج إطارات السيارات بواسطة Tatneft بقيمة 274 مليون دولار. كما تعمل روسيا بنشاط مع دول أخرى في المنطقة. على سبيل المثال، في أوائل أغسطس من هذا العام، وفي إطار المنتدى الاقتصادي القيرغيزي-الروسي السابع، تم توقيع ما يقرب من 30 اتفاقية بقيمة إجمالية حوالي 270 مليون دولار في مجالات الطيران، والصناعة، والنقل، والزراعة، والاقتصاد الرقمي، والتعليم، والإعلام، وتوريد المنتجات.

تطور الهند التعاون الصيدلاني مع آسيا الوسطى، حيث تستثمر في إنتاج الأدوية محلياً وتصديرها. تعمل عدة مشاريع مشتركة لإنتاج الأدوية الجنيسة واللقاحات بمشاركة شركات هندية رائدة مثل Sun Pharma، Dr. Reddy's Laboratories، وCipla. كما قدمت الهند حوالي 6500 مقعد للتدريب في مجال تكنولوجيا المعلومات و1500 منحة دراسية للطلاب والمتخصصين من دول المنطقة. وتم افتتاح مراكز تكنولوجيا المعلومات في جميع هذه الدول. ومن بين أكبر مشاريع الهند مركز الأبحاث الطبية الحيوية في جبال قيرغيزستان، وإعادة بناء محطة فارزوب-1 للطاقة الكهرومائية في طاجيكستان، ومركز التدريب الصناعي في تركمانستان.

على الرغم من الأجندة النشطة للتعاون الصناعي ضمن منظمة شنغهاي، هناك تحديات وقيود تعيق التطور الإضافي، وهي:

أولاً، محدودية الربط اللوجستي والنقلي. فالبنية التحتية اللوجستية غير المتطورة بين بعض الدول (مثل الهند وآسيا الوسطى عبر أفغانستان) تحد من حجم التجارة. ويتقدم مشروع ميناء تشابهار، المهم لنقل البضائع من الهند إلى إيران ومن ثم إلى منطقة آسيا الوسطى، ببطء. فعلى الرغم من الاتفاقية بشأن نقل الإدارة في عام 2018، فإن نشر البنية التحتية بالكامل متأخر عن الجدول الزمني.

ثانياً، عدم التوافق في المعايير الفنية والأنظمة التنظيمية. فغياب إطار تنظيمي موحد في الصناعة يعقد دمج سلاسل الإنتاج. على سبيل المثال، في الهندسة الميكانيكية، تُعيق الاختلافات في معايير السلامة والتأهيل بين الصين وروسيا والهند التطوير المشترك وتوريد المعدات عالية الدقة.

ثالثاً، الفوارق في مستويات التطور والحواجز التكنولوجية. لا تزال هناك تفاوتات كبيرة في مستويات التطور الاجتماعي-الاقتصادي، والتخلف التكنولوجي (خاصة في دول آسيا الوسطى)، ونقص الكوادر المؤهلة والبنية التحتية. وهذا يخلق حواجز تكنولوجية ولوجستية، مما يزيد من اعتماد الأعضاء الأقل تطوراً على القوى الرائدة، ويعقد تنفيذ المشاريع المشتركة وتشكيل سلاسل إنتاج إقليمية بسبب الفروقات في الاستثمارات والبنية التحتية ورأس المال البشري.

رابعاً، القيود المالية وضعف التكامل الاستثماري. فغياب بنك تنمية منظمة شنغهاي للتعاون الذي يعمل بكامل طاقته وانخفاض مستوى التمويل البيني يعيقان إطلاق مشاريع البنية التحتية والصناعية الكبيرة. في عام 2024، تمت مناقشة مبادرة إنشاء هذا البنك مجدداً، لكن لم يتم اتخاذ قرارات ملموسة بشأن تأسيسه بعد.

بشكل عام، هناك حاجة إلى نهج منهجي لتجاوز التحديات الحالية من أجل التطوير الفعال للتعاون الصناعي ضمن منظمة شنغهاي. ويشمل ذلك توحيد المعايير الفنية، وتطوير الأدوات المالية، وحماية الملكية الفكرية، وتعميق التكامل اللوجستي - وهي تدابير رئيسية للحفاظ على وتيرة التعاون الصناعي في سياق المنافسة العالمية.

في هذا السياق، يمكن لدول آسيا الوسطى، التي تشكل جوهر منظمة شنغهاي، أن تلعب دوراً خاصاً. فبفضل مواردها الطبيعية الكبيرة والبنية التحتية المتطورة، فإنها قادرة على أن تصبح ليس فقط قاعدة موارد صلبة للتعاون الصناعي، بل أيضاً، على المدى الطويل، مركزاً صناعياً رئيسياً للمنظمة.

مع الأخذ في الاعتبار ما سبق، من المهم ملاحظة أن الاجتماع الدوري القادم لرؤساء دول منظمة شنغهاي في أوائل سبتمبر من هذا العام في تيانجين سيسمح بتحديد الأولويات والآليات المحددة لتنفيذ المشاريع المشتركة التي تهدف إلى تعزيز التعاون الصناعي وتطوير اقتصاد مبتكر في الفضاء الأوراسي.