هل تدُين إيران على استهداف مستشفى سوروكا في بئر السبع؟
عبده فايد
لا أنسى في حياتي مشهد أب من أهالينا في القطاع وهو يخاطب الكاميرا في ديسمبر 2023 قائلًا.."وعهد الله ا...
لا أنسى في حياتي مشهد أب من أهالينا في القطاع وهو يخاطب الكاميرا في ديسمبر 2023 قائلًا.."وعهد الله ابني مريض نفسي، وعهد الله جايبله العلاج النفسي، هيو العلاج ‘‘..بيد كان الأب ممسكًا بعلاج ابنه وبالأخرى كان يشير إلى كتلة رملية متصلّبة في أرض مستشفى كمال عدوان التي سوّاها العدو بالأرض..لم تكن تلك الكتلة سوى قبر ابنه..دفنه جنود الاحتلال وهو على قيد الحياة بعد أن أخذوه جريحًا من المستشفى، لم يكن وحده بل معه عشرات المصابين الذين حُكم عليهم بمغادرة الدنيا بأبشع الطرق..إهالة التراب على رؤوسهم وأنوفهم وجروحهم وهم أحياء..على بعد 40 متر بالكاد من الأب المكلوم كانت هناك قطة برتقالية تأكل قدم أحد المرضى المدفونين أحياء..تجمّد الدم في عروقي حين شاهدت المنظر..كيف يتبقّى في الإنسان ذرّة عقل واحدة، وهو يعلم أن هناك ثمة إنسان شاهد إنسانًا آخر وهو على سرير المرض، فحمله بعد أن قطع عنه وسائل الإعاشة، ووضعه أسفل التراب ثم دفنه، ثم ترك الحيوانات تأكل من لحمه الحيّ؟..لم ينتفض العالم، لم تتوقف حركة الكون، لم يخرج مسئول دولي منددًا ولا أميركي أشقر غاضبًا..كان الضحايا عرب مسلمون..مرضى نفسيين أو مرضى عضويين..لا يهم..فنائهم واجب والألف منهم لا يساوي جرح في رجل كلب في بيت أسرة متوسطة أميركية..ولا بواكي لعربي ولا مودّع لمسلم..اليوم يبرد سعير قلبي واللهب مندلع في مشفاهم، اليوم تطرب أذني وصيحات الذعر تشق حناجر طواقمهم..اليوم يذوقون نسخة مخففة مما شهده ألوف من أهالينا في المشافي..اليوم أتذكّر الأب المكلوم وأتذكّر كذلك ناصر الذي منعه الكيان من عبور حاجز في الضفة لكي يولّد زوجته في أحد المشافي، فأنجبت الأم ابنها في العراء في عز الثلج وتجمّد حتى الوفاة...اليوم أتذكّر سلوى السعيدني من سكان القطاع التي كانت ترجو وفاة كريمة وهي في مراحل احتضارها الأخيرة من السرطان، فرفضوا علاجها وإعطائها حتى المسكنّات لأنها حافظت على كرامتها وأبت العمل مخبرةً لاستخبارات الكيان..اليوم أتذكرهم واليوم تُشفى القلوب..سيحدثونك عن الرحمة، عن مساكين مرضى نزلت فوق أعناقهم صواريخ طهران..لا والله..بل هذه هي قواعد الاشتباك التي أرسيتموها، وتلك كرامة الإنسان التي أهدرتموها..وليس إنسانكم أغلى منّا..قد تخسر إيران الحرب لا قدر الله..ربما..لكنيّ والله سأظل مدينًا لها ولسواعد رجالاتها بأنها جعلتني أعيش يومًا أرى فيه الحق يُسترّد..عينًا بعين وسن بسن ومبني بمبني ومشفى بمشفى وروحًا بروح..واليوم أو بعد ألف يوم سيولد من بين ظهرانينا من يجعلهم يتمنون حجرًا للاختباء فلا يجدون، وشربة ماء فلا يستطيعون، وكسرة خبز فلا يُطعمون..ويومها سنتذكر جيدًا من مهّد الطريق لذلك..وندعو له بالمغفرة..لأبطال القطاع ورجالات طهران.