هل تدُين إيران على استهداف مستشفى سوروكا في بئر السبع؟
عبده فايد
لا أنسى في حياتي مشهد أب من أهالينا في القطاع وهو يخاطب الكاميرا في ديسمبر 2023 قائلًا.."وعهد الله ا...
في المنطقة الممتدة من غزة إلى طهران، ومن بيروت إلى صنعاء، تفرض إسرائيل مشهداً عسكرياً وسياسياً يتسم بالعنجهية المطلقة، في كل جولة تصعيد، تتصرف تل أبيب وكأنها فوق القانون، وفوق الرد، وفوق الجغرافيا نفسها، هي لا تكتفي بتوجيه الرسائل، بل تختار توقيتها وشكلها ومسرحها، دون أن تجد من يُلزمها بأي قيدٍ أخلاقيٍ أو سياسي.
بدأت الجولة الأخيرة من هذه العنجهية مع العدوان واسع النطاق على غزة، هناك، قُتلت العائلات وهُدمت الأحياء على رؤوس ساكنيها، دون أن تُغير الإدانات الدولية شيئاً، ثم ما لبثت أن نقلت إسرائيل جبهتها إلى جغرافيا أوسع وأكثر حساسية، الداخل الإيراني نفسه.
في سابقةٍ لا تخلو من الرسائل الرمزية، قصفت إسرائيل منشآتٍ إيرانيةٍ أمنيةٍ وعسكرية، وقالت للعالم دون مواربة "نستطيع الوصول إلى عمق خصومنا"، لم تتوقف الرسائل عند إيران، بل شملت لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وحتى دول الخليج التي لم تسلم من التهديد غير المباشر إن هي لم "تتماهى" مع المعادلة الإسرائيلية الجديدة.
لكن الأخطر من الهجمات هو الخطاب الإسرائيلي المتغطرس، تصريحات القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل لم تعد تفرق بين حكومةٍ أو فصيلٍ مسلح، بين مقاومةٍ أو دولةٍ ذات سيادة، الكل بات تحت التصنيف ذاته "أهدافٌ محتملة"، هي لغة القوة المجردة من السياسة، حيث لا اعتبار للحدود ولا للدبلوماسية ولا للعرف الدولي.
هذا الاستعلاء لم يأتِ من فراغ، لقد تغذى طويلاً على صمتٍ عربي، وتواطؤٍ دولي، وعجزٍ جماعيٍ عن صياغة موقفٍ موحد، في ظل هذا الفراغ، تُعيد إسرائيل هندسة توازنات القوة في الشرق الأوسط، وتحاول فرض واقعٍ جديد "من لا يخضع، يُقصَف"، والسكوت عن هذا الواقع ليس حياداً، بل قبولٌ ضمنيٌ بالاستهداف القادم.
والمسألة ليست في الدفاع عن إيران، ولا عن حزب هنا أو جماعةٍ مسلحةٍ هناك، بل في منطق التعامل مع الشعوب والدول كأنها كيانات بلا وزن، ولا حق لها في السيادة أو الأمن، فإن قُبلت غارات تل أبيب على منشآتٍ داخل طهران اليوم، فمَن يمنع استهداف مصنعٍ أو محطة في البصرة غداً؟ أو مطاراً في بيروت؟ أو ميناءً في قطر؟ لقد باتت إسرائيل لا تعترف بشركاء في الإقليم، بل فقط بمحكومين بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الطاعة.
إن أخطر ما في هذا المشهد هو الشعور الإسرائيلي بالحصانة، فطالما أن لا أحد يرد، ستتكرر الضربات، وستتمدد قائمة الأهداف، وسيتحول الأمن القومي العربي إلى مادة تكميلية في حسابات البنتاغون أو دوائر الموساد.
الرد لا يجب أن يكون بصاروخٍ مقابل صاروخ، بل بمنظومة ردعٍ سياسيٍ وإعلاميٍ وشعبي، ببناء جبهةٍ عربيةٍ موحدة تقول لإسرائيل "لستم وحدكم من يقرر القواعد" يجب أن تُستعاد الهيبة الإقليمية قبل أن تُفرَض علينا وقائع يصعب لاحقاً قلبها.
لقد آن الأوان لتجاوز حسابات الصراعات البينية، والتموضع حول سؤال جوهري "مَن يحكم هذه المنطقة؟ الشعوب أم الطائرات المسيرة؟ القانون أم القصف؟".