مشتاق العلوي

حين تضيق الروح تحت وطأة الحياة

وكالة أنباء حضرموت

الحياة ليست إلا سلسلة من المواجهات بين النفس وظروفها، بين الإنسان وجدران العالم التي تضيق عليه حينًا وتتسع حينًا آخر. وتحت وطأة الضغط، يتحول المرء إلى صورة مشوهة من ذاته الحقيقية، كما لو أن روحه قد اختبأت خلف أقنعة صنعتها قسوة الأيام.

الضغط أشبه بطين رطب يتشكل وفق قوة الضاغط عليه، فيحوّل الطبع الهادئ إلى نوبات غضب، ويغيّر النوايا الحسنة إلى تصرفات عشوائية قد تبدو عدوانية. كيف لا، والإنسان في لحظات ضعفه أقرب ما يكون إلى طفل يحاول أن يصرخ ليصل صوته إلى العالم، لا ليثير الشفقة، بل ليتحرر من ثقل لا يطاق؟

إن الضعف لا يعني انكساراً، بل هو مرحلة عابرة من الانفعال والتأقلم مع الألم. لكن العالم لا يمنحنا الفرصة لتفسير مواقفنا.
يُحكم على الإنسان بما يظهر منه في اللحظة، وليس بما يختبئ وراء تلك اللحظة من جراحٍ لم تُرَ أو قصص لم تُحكَ.

كم من شخص فقد قيمته في أعين من حوله لأنه صودف في حال غضب أو انفعالٍ دفعته إليه أوجاعه؟ الناس غالبًا ما يحكمون على غيرهم من زاوية ضيقة، يغفلون عن المشهد الكامل للحياة. فالإنسان قد يبدو عدوانيًا وهو يدافع عن حدوده النفسية، وقد يظهر شريرًا وهو يحاول فقط حماية بقيةٍ من ذاته أمام عالمٍ يعجّ بالقسوة.

لكن أين رحمة القلوب؟ وأين الإنصات العميق الذي يسبق إصدار الأحكام؟ أليس من الإنصاف أن ننظر إلى الإنسان كحكاية متكاملة، لا كلقطة عابرة تخضع لعدسة تحكمها الأحكام المسبقة؟

إن الانفعالات ليست إلا لغة أخرى للحياة؛ إنها صرخات الروح حين تختنق، حين تعجز الكلمات عن التعبير عن الألم، وحين تجد النفس نفسها تحت رحمة خيبات متتالية. الطفل الذي في داخل كل إنسان يخرج في تلك اللحظات، فيصرخ، يغضب، يبكي، وربما يتصرف بطريقة لا تعكس نضجه الحقيقي، لكنه في العمق يعبر عن رغبته في البقاء، في التحرر من قيود الألم.

إن التماس العذر للآخرين يحتاج إلى بصيرة تتجاوز حدود الظاهر، إلى إنسانية تعترف بأن كل فرد يحمل على عاتقه أعباءً لا يراها الآخرون. وما أسهل أن نحكم، وما أصعب أن نفهم. الفهم يتطلب انفتاحًا على الآخر، واعترافًا بأننا جميعًا هشّون في أعماقنا، مهما بدونا أقوياء من الخارج.

وختامًا: إن العيش تحت الضغط يُكلف الإنسان أثمانًا غالية، لكنه في الوقت ذاته يختبر قدرتنا على احتواء الآخرين ورؤية إنسانيتهم، لا أحكامنا عليهم. لعل العالم يحتاج اليوم إلى قلوب أكثر رحمة وبصائر أعمق وعيًا، ليتوقف عن كسر النفوس التي تكافح بصمت، والتي لا تنتظر سوى لحظة إنصاف، ولو عابرة.

مقالات الكاتب