مشتاق العلوي
تغيير الذات سبيل إلى نهضة المجتمع
في جنبات الأرض الجنوبية، حيث تمتد الجبال شامخة وتتناغم أصوات الرياح مع ترنيمة البحر، يقف المجتمع الجنوبي على مفترق طرق، حاملاً تاريخه الثقافي العريق وطموحاته المستقبلية، وأهمها "عودة دولته الجنوبية كما كانت قبل عام 1990"، لكنه، ككل مجتمع يبحث عن النهوض، يحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة ذاتية تعيده إلى جوهر التغيير الحقيقي الذي ينبع من الداخل، قبل أن يتجلى في الخارج.
فحين نتأمل قوله تعالى: {"إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"}، نُدرك أن التحولات الكبرى تبدأ بخطوات صغيرة في داخل الإنسان. إنها دعوة إلهية لتجاوز مظاهر التذمر والشكوى، والالتفات إلى العمق، إلى النفس وما فيها من إمكانيات كامنة وطاقة للتغيير.
وكما أشار المفكر مالك بن نبيحيث قال: "إذا أردتَ أن تُصلِحَ أمرَ الدولة؛ فأصلِح نفسك أولًا"، فإن المشكلة ليست في الخارج فقط، وليست في السياسات أو الظروف وحدها، بل في الإنسان ذاته. إن المجتمع الجنوبي، مثله مثل أي مجتمع، يمتلك عناصر القوة والإبداع، لكنه بحاجة إلى صقل هذه العناصر عبر إعادة ترتيب القيم، وإعلاء شأن المسؤولية الفردية.
ومن تحديات الفرد في مواجهة التغيير...!
يتردد صدى السؤال: "كيف يمكن للفرد أن يغير نفسه ليغير مجتمعه؟" والإجابة ليست سهلة؛ لأنها تتطلب من كل فرد شجاعة مواجهة ضعفه، والنظر في المرآة بصدق. هناك عادات تراكمت عبر الأجيال..! وأفكار قد تكون عائقاً أمام التقدم. على سبيل المثال: الاعتماد المفرط على القوى الخارجية، لنزع الحرية والتغيير، أو التردد في المبادرة، أو الانشغال بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل.
التغيير يبدأ من العقل؛ من طريقة التفكير، لأن الفكر هو الذي يقود الإنسان نحو الفعل. إذا استطعنا أن نزرع في أنفسنا قيمًا مثل الإبداع، والعمل الجماعي، واحترام الوقت، فإن هذه البذور ستنمو لتصبح شجرة تؤتي ثمارها في شكل مجتمع قوي وواعٍ.
وهنا نبين دور القيم في بناء مجتمعنا الجنوبي.
فلا يمكن لمجتمع أن ينهض دون منظومة قيم متينة تعزز الوحدة والتعاون. فالمجتمع الجنوبي، بمكوناته المختلفة، يحمل تنوعًا ثقافيًا غنيًا يمكن أن يكون مصدر قوة. لكن هذه القوة تحتاج إلى توجيه سليم، وهذا التوجيه يبدأ بالقيم:
قيمة المسؤولية وهي "أن يتحمل كل فرد مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
قيمة العمل الجاد، لأن الحلم بدون عمل مجرد وهم.
قيمة التعليم والمعرفة، فالجهل عدو التقدم، والمعرفة هي مفتاح الحرية الحقيقية.
(رسالتي إلى أبناء الجنوب العربي)
أيها الجنوبيون، أنتم أحفاد حضارة أرم ذات العماد، وحضارة دولة معين، وحمير، قد ورثتم أرضًا شهدت تاريخًا مليئًا بالعز والفخر. إن نهوضكم ليس مجرد حلم، بل هو مسؤولية تقع على عاتق كل واحد منكم. فلا تنتظروا أن يأتي التغيير من الخارج؛ اصنعوه بأنفسكم.
ابدأوا بتغيير ما في داخلكم:
اغرسوا في قلوبكم الأمل بدلًا من الشكوى.
اجعلوا من التحديات فرصًا للنمو بدلًا من أسباب للإحباط.
واعلموا أن كل خطوة صغيرة نحو الأفضل هي لبنة في بناء مستقبل الجنوب الجديد.
فالتغيير الحقيقي هو أشبه برحلة داخلية، تبدأ حين يقرر الإنسان أن يُنصت لصوت الحكمة الذي ينبعث من أعماقه. وكما تتغير الفصول، وكما يروي المطر الأرض العطشى، كذلك يُحيي الإيمان بالذات المجتمعات التي تبدو خامدة.
أيها الجنوبي العربي، اعلم أن فيك روحًا لا تنكسر، وأن التغيير يبدأ حينما يؤمن كل فرد بأن في داخله قوة توازي الجبال التي تطوق أرضه.