عبدالمجيد العبيدي
الهروب من الوطن: الشاب اليمني بين الطموح والواقع
لطالما كان الشباب في أي مجتمع هم الأمل والمستقبل، الحالمون بالتغيير والتطوير، والذين يسعون لتحقيق طموحاتهم وبناء أوطانهم، لكن في اليمن، أصبح الشباب يعيشون معاناة مزدوجة: صراع بين أحلامهم وطموحاتهم من جهة، وواقع وطنهم الصعب من جهة أخرى، هذا الواقع القاسي دفع الكثير منهم إلى التفكير في الهروب من الوطن، بعد أن وجدوا أنفسهم في بيئة تكبت طموحاتهم وتحد من فرصهم.
الطموح: أحلام بلا سقف.
ككل شباب العالم، يحلم الشاب اليمني بمستقبل مشرق، يحلم بأن يكون له دور في بناء وطنه، وأن يحقق طموحاته المهنية والشخصية، سواء كان ذلك في مجالات التعليم، أو ريادة الأعمال، أو حتى في العمل السياسي والاجتماعي، الشباب اليمني طموح ومثقف، ويملك قدرات هائلة تمكنه من الإبداع والمساهمة في نهضة بلده.
لكن هذه الطموحات تتبدد تدريجياً عندما يصطدم الشاب اليمني بواقع بلاده الحالي، فاليمن الذي كان منبعاً للحضارة بات اليوم يغرق في الحروب والصراعات، مما يجعل البيئة غير مهيأة لدعم تطلعات الشباب، الأحلام التي كانت تبدو قريبة المنال، أصبحت تبدو بعيدة جداً في ظل الانهيار الشامل الذي يشهده الوطن.
الصراع بين الطموح والواقع
الشاب اليمني يواجه تحديات هائلة في سعيه لتحقيق طموحاته، النظام التعليمي متدهور، والفرص الوظيفية محدودة للغاية، والبيئة الاقتصادية شبه منهارة، هذا بالإضافة إلى التحديات اليومية المتمثلة في انعدام الأمن، وندرة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، فضلاً عن انهيار البنية التحتية الصحية والتعليمية.
كل هذه العوامل تجعل الشاب يشعر بأنه مكبل في وطنه، عاجز عن التحرك نحو مستقبله، يجد نفسه في حالة من الجمود، حيث لا يستطيع التقدم ولا التراجع، وبينما كان طموحه يوماً هو الإسهام في بناء وطنه، أصبح اليوم يسعى للهروب منه بحثاً عن بيئة تتيح له تحقيق ما يطمح إليه.
الهروب كخيار لا مفر منه
الهروب من الوطن لم يعد مجرد خيار عابر للشباب اليمني، بل أصبح بالنسبة للكثيرين حلماً بحد ذاته. الهروب من واقع لا يوفر لهم الأمن ولا يتيح لهم الفرص اللازمة لتحقيق ذواتهم، بل أصبحوا يرون في الهجرة أو السفر إلى الخارج ملاذاً أخيراً للهروب من المعاناة، وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار والأمان.
يرى الشاب اليمني في الخارج فرصة للعيش في بيئة تقدر عمله وتعليمه، توفر له الحرية والكرامة، ففي الخارج، هناك فرص للتعليم الجيد، للعمل في مجالات تتيح له استغلال قدراته، والأهم من ذلك، هناك أمان واستقرار يمكن أن يحقق له حياة كريمة.
لكن حتى الهجرة ليست خياراً سهلاً، التحديات كبيرة، من حيث التكاليف الباهظة، والمخاطر التي يواجهها المهاجرون، خاصة إذا اختاروا طرفاً غير شرعية للهروب من الفقر والحرب، ومع ذلك، يبقى الهروب بالنسبة للكثيرين الخيار الأفضل مقارنة بالبقاء في وطن أصبحوا يشعرون أنه يقيدهم بدلاً من أن يوفر لهم الفرص.
تأثير الحروب والصراعات
لا يمكن الحديث عن واقع الشباب اليمني دون التطرق لتأثير الحروب والصراعات المستمرة، هذه الحروب دمرت كل شيء، وأثرت بشكل مباشر على طموحات الشباب، فرص التعليم تلاشت، والجامعات توقفت عن تقديم التعليم الجيد بسبب غياب الموارد، المشاريع الريادية التي كان من الممكن أن تكون نواة لنهضة اقتصادية توقفت بسبب تدهور الأوضاع المالية والأمنية.
كما أن الصراع السياسي جعل الشباب في موقف غير مستقر، حيث لم يعد بإمكانهم التعبير عن آرائهم بحرية أو المشاركة في صنع القرار، القمع والانقسامات السياسية حولت الحياة اليومية إلى معركة من أجل البقاء، وأصبح الهدف الأساسي لدى الشاب اليمني هو الهروب من هذه البيئة المسمومة.
فقدان الانتماء
مع كل هذه الصعوبات، بدأ الشاب اليمني يفقد شيئاً من انتمائه لوطنه، ليس لأنه لا يحب اليمن أو لا يشعر بالارتباط الثقافي والاجتماعي به، بل لأن الوطن لم يعد يوفر له ما يحتاجه ليعيش حياة كريمة، الوطن بالنسبة للشاب اليمني لم يعد المكان الذي يستطيع أن يحقق فيه طموحاته، بل تحول إلى مكان يعيق تقدمه ويقيد أحلامه.
هذا الفقدان للانتماء يعزز رغبة الشباب في الهروب. فبدلاً من أن يشعروا بالفخر بخدمة وطنهم، يشعرون أن عليهم الهروب منه لإنقاذ مستقبلهم.
ختاماً وأخيراً
الهروب من الوطن أصبح خياراً محورياً في حياة الشاب اليمني الذي يطمح إلى تحقيق ذاته والعيش بكرامة، بين ضياع الفرص وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، يجد الشباب أنفسهم مضطرين للتفكير في الهجرة كسبيل للنجاة، الوطن الذي كان يوماً حلماً يراودهم لبنائه وتطويره، أصبح اليوم عبئا يثقل كاهلهم، ودافعاً للبحث عن فرص وحياة أفضل في الخارج، لكن الهروب ليس حلاً مستداماً ، ويبقى الأمل في أن تعود اليمن يوماً لتكون الوطن الذي يحتضن أبناءها ويتيح لهم تحقيق أحلامهم.