ماجد الطاهري
كيف ومتى ومع من يجب ان نقف؟
في أول درس له في احدى الجامعات الامريكية بقسم كلية الحقوق وقف أستاذ القانون امام طلابه بعد ان كتب عنوان الدرس، ثم التفت اليهم مباشرة وهو يشبرا بأصبعه على احدى الطالبات في الفصل قائلا: انتي هناك ما اسمك؟ أجابت اسمي هيلينا..
فقال لها حسنا هيلينا اجمعي كراستك واقلامك وغادري صفي حالا!
للحظة لم تستوعب الطالبة الموضوع وحتى زملائها اطبق عليهم الصمت واخذوا يتساءلون بين انفسهم ولكن لماذا؟ هي لم تفعل شيئا! حاولت الفتاة أن تبدي دفاعا عن نفسها فقالت بصوت الخائفة: ولكن لماذا؟
فكان الجواب من الاستاذ هذه المرة أكثر جدية حين قال لها: لا اريد ان اكرر كلامي مرتين، من فضلك احملي دفاترتك وغادري قاعة محاضراتي !
امتثلت الفتاة لتوجيهات الاستاذ كانت تلملم دفاترها في حقيبة ويبدو عليها الحزن والقهر ثم غادرت..ثم ظل الاستاذ مدة دقيقتين صامتا لعله يرى احدا من الطلاب في القاعة يتفوه بكلمة، يعارض قراره او يبدي نصحا أو حتى يذكر قولا جميلا يدافع به على زميلته الطالبة، لكن مع الأسف مضت دقيقتان وجميع من في الفصل لم يحرك احد منهم شفتيه.
ثم مباشرة سأل الاستاذ قائلا: لماذا توجد القوانين؟او ما الغرض منها؟ هل منكم من يجيب على السؤال؟
قال احد التلاميذ: لتحقيق النظام الاجتماعي، وقال طالب ثانٕ: لحماية الحقوق الشخصية للافراد، وتبعت طالبة اخرى قائلة: حتى نتمكن من الإعتماد على الدولة والحكومة.. لكن الاستاذ لم يبدو مقتنعا باين من من تلك الإجابات.. الى ان قال احد التلاميذ: وجدت القوانين لتحقيق العدالة.. عند ذلك صفق الاستاذ قائلا: احسنت براڤوا عليك وجدت القوانين لكي يتم تحقيق العدالة والمساواة ولا يظلم نحت ظلها احد..
ثم اتبع قائلا: هل ترون انني ظلمتُ زميلتكم عند طردي لها من القاعة دون سبب؟ نظر بعضهم الى بعض نظرة فيها حيرة وخوف ولم يتجاسر احدهم لتقديم إجابة ،فقال الاستاذ حسنا أنا اجيب لقد كنت غير عادل اليس كذلك؟عندها أومأ التلاميذ برؤوسهم يشيرون أي نعم. قال لهم المعلم:لقد شاهدتم ظلما حاصلا امام اعينكم لماذا لم يحتج منكم احد؟ لماذا لم يعارض احد؟لماذا لم يحاول احدكم إيقافي؟ لماذا لم ترغبون في منع هذا الظلم؟ عندها طأطأ الطلاب رؤوسهم حياء وخجلا..
فقال لهم استاذهم:حسنا ما تعلمتموه للتو لن تستطيعوا ان تفهموه ولو في ألف محاضرة مالم تعايشوه واقعا على انفسكم .. أنتم لم تقولوا شيئا لأن الأمر لم يؤثر عليكم شخصيا،وهذا السلوك يضركم ويضر بالحياة،تقولون في انفسكم انه لا يعنيكم،وانه لاشأن لكم به، لذلك أنا هنأ معكم اليوم لأقول لكم :إذا لم تساعدوا في تحقيق العدالة،فلربما ياتي يوم ويقع عليكم الظلم ثم لا تجدون احدا ليقف بجانبكم،الحقيقة والعدالة هي مسؤوليتنا جميعا ويجب ان نكافح من اجلها لأننا في الحياة والعمل غالبا ما نعيش بجوار بعضنا البعض وليس مع بعضنا البعض، نبرر لأنفسنا ان مشاكل الآخرين لا تعنينا ولا تخصنا، ونذهب الى البيت سعداء أننا نجونا بأنفسنا..لكن الامر يتعلق بالوقوف مع بعضنا البعض،يحدث الظلم يوميا امام اعيننا في الشارع ومقر العمل وفي وسائل المواصلات ومع ذلك لا نتدخل بل نعتمد على شخص آخر ليقوم بالأمر وهذا ليس كافيا..من واجبنا ان نقف مع الآخرين
وان نتحدث باسمهم عندما لا يمكنهم ذلك، أنا هنا لأعلمكم عن قوة الصوت التي تمتلكون اريدكم ان تتعلموا التفكير النقدي لتتمكنوا من الوقوف الى جانب ما هو صحيح.. حتى لو كان ذلك يعني مواجهة جميع من يفعلوا ذلك أو يؤيدونه.
ارجو ان تكون الرسالة وصلت للجميع (ذاك القائد الشجاع المخلص لدينه ووطنه والمحب لشعبه ،لأولئك الدعاة الصالحون ممن لا يخافون في قول الحق لومة لآئم،للكاتب والإعلامي الصادق المتجرد من الأنانية وحب الذات المسخر أفكاره النيرة وقلمه المضيئ في مقارعة الظلم والظالمين والوقوف بجانب الضعفاء والمساكين من الناس، حتى ولو وجد نفسه وحيدا غريبا، وفي موضع اتهام من القريب والبعيد.