الدولة المدنية الحديثة مدخل للعدالة والتنمية والسلام
د. وليد ناصر الماس
لا ترفض الدولة المدنية وجود الدين، بل تعتبره ركيزة أساسية لتهذيب أخلاق المجتمع وتشذيب سلوك أفراده، و...
إذا تصفحنا وجوه الزعماء والقادة السياسيين في اليمن سنجدهم وحوش كاسرة تنتظر انتهاء الحرب للانقضاض على السلطة وتقاسمها . لم يقدم أحدٌ منهم مشروعاً لدولة المؤسسات والقانون , الدولة التي تحكم بالعدل وتقسم بالسوية وتطلق الحريات وتقاضي كل مسؤول يخالف القانون أو يخون الأمانة أو يسرق المال العام أو يعيث فساداً أو يشجع الرشوة . لم يفعل أحدٌ ذلك , وإذا فرض عليه لتنفيذ أجندة ما , لذر الرماد , أعدَّ مشروعاً ورماه في درج مكتبه لا يدعو الناس إليه ولا يشيعه ويناضل للإجماع عليه من الشعب , ولا يطرحه على بقية القوى السياسية للتشاور فيه وتبنيه بقوة الحق الذي فيه . وقوة الشعب الذي يقف خلفه . لا أحد . لا أحد ... إنهم جائعون متعطشون للسلطة خائنون للأمانة , فاسدون .
ما العمل أيها الشعب ؟ ما العمل أيها الأحرار الأحياء الذين لم يستطيع الظالمون الطغاة قهرهم وسحق أرواحهم أو سلب حرياتهم . إليكم السؤال :
ما العمل ؟ أترضون أن يرفع.
الله بركات السماء والأرض عن بلادكم وأبنائكم وأملاككم ؟ إن الله تعالى يقول :{{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }} ويقول تعالى عن أهل الكتاب {{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربِّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم
أترضون أن يسرقوا اللقمة من أفواه أطفالكم ؟ ويسحقوا أرواحهم ويقتلوا الإبداع في نفوسهم ويجرمونهم إذا عملوا بما يرضي خالقهم الذي أوجب عليهم المشاركة السياسية وصنع الحياة وتعمير الأرض ؟ يقول أبو ذر رضي الله عنه :" عجبتُ لمن لم يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه ".
أترضون أن يستعبدوكم ويستذلوكم ويشيعوا الفساد والرشوة وعدم الأمانة فيكم ؟ فالناس على دين ملوكهم . لقد أصبح الفساد ثقافة شعب في حكم علي عبدالله صالح . فالمواطن البسيط ينصح غيره ممن يعرفه إذا تولى منصباً رسميا يقول له بكل جدية وحماسة :" قع رجال ابن نفسك وصلح حاجة لأولادك " إنها نصيحة لخيانة الأمانة وسرقة المال العام . هو مواطن ولكن دب الفساد إلى عقله بسبب ما أشاعه حكم الفاسدين من الفساد في المجتمع فعم المجتمع كله وجرى على لسانه دون أن يدري خطورة ذلك عليه . أتريدون العيش في مجتمع كهذا ؟.
أترضون أن يسجن الناس بدون محاكمة ودون جرم ؟ لمجرد نقد هذا القائد أو ذاك ؟ أترضون أن يقوم القادة العسكريون بقتل الناس بالشبهة دون محاكمة ؟ وأن يسجنوا من شاءوا دون حكم قضائي أو اتهام بقانون .؟ أترضون أن تكونوا لا شيء , لا شيء كسراب لا حقيقة له . كما قال تعالى لأهل الكتاب :{{ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربِّكم }} لأنكم إن لم تقيموا القرآن ولم تدافعوا عن حكم الله فيه الذي يحكم بالحق والعدل والمساواة : مساواة الرئيس بالمرؤوس والأمير بالأجير ... صرتم مثل اليهود والنصارى واتبعتموهم حذو القذة بالقذة . يقول تعالى :{{ يا داود إنَّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقِّ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله }} هذا حكم الله لكل أنبيائه فماذا فعلتم لتطبيقه ؟ وحدهم الأحرار الأحياء , هم المؤمنون حقاً الذين يعملون بما استوجبه الله تعالى عليهم وهو القيام بما أنزل الله على أنبيائه : إقامة دولة الحكم بالحق والعدل ومدافعة الظلم والاستبداد .
وقف سعيد ين جبير - وكان ممن خرج على عبدالملك بن مروان وخلع بيعته - وقال يوم دير الجماجم محرضاً على بني أمية وولاتهم الظلمة أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي يقول : قاتلوهم على جورهم في الحكم , وخروجهم من الدين , وتجبرهم على عباد الله , وإماتتهم الصلاة , واستذلالهم المسلمين ".
أيها الناس يصفنا الغربيون بأنها : كاذبون , مخادعون , لا أمانة لنا , لا نحفظ العهود , ولا نصون المواثيق , غدارون , خونة , مرتشون , سارقون , منافقون نقول عكس ما نفعل , منحطون أخلاقياً عالة على الأمم , نأكل مما ينتجه الآخرون ونلبس مما يصنعون . لا همة لنا في شيء , إلا في مطاردة الغريزة كأننا حيوانات , ولا قدرة لنا على فعل شيء يحمي مصالحنا , أو يصنع حضاراتنا إلى غير ذلك مما ينتقص رجولتنا ... إنهم صادقون حتماً صادقون في ما قالوه . ولكن أتعرفون السبب ؟ لأن لدينا حكام مستبدون ظالمون , يسرقون الخيرات , خونة , فاسدون منحطون ...ولديهم علماء وفقهاء ركنوا إليهم فزينوا للظالمين ظلمهم , وحرموا علينا مدافعتهم .قال عليه الصلاة والسلام :" صنفان من أمتي إذا صلحا ... صلح الناسُ , وإذا فسدوا فسد الناسُ الأمراء والفقهاء " إذن أيها الأحرار علينا ألا نسمح بعودة الطغاة البغاة المستبدين , فلنناضل ونضغط في سبيل طرح مشروع للنهضة والدولة العادلة ونلزم به هذه الوحوش الآثمة الفاجرة التي تتربص انتهاء الحرب لكي تستولي على حكم البلاد وتعيث فيها الفساد , فنتخلق بأخلاقهم لأن الناس على دين ملوكهم , ونكسب بذلك ذل الدنيا وضياع الآخرة ..