عبدالله محمد الجفري
الدولة التي نريد
يعاني المفكرون والمثقفون من إشكالية المفاهيم التي تعيق التواصل بينهم ككتاب , وبينهم وبيننا كقراء , فإذا كتب أحدهم عن الديمقراطية أو العلمانية أو عن المدنية أو النهضة أو الحرية أو غير ذلك من المصطلحات التي نستخدمها في حياتنا اليوم . وقف غيره من المفكرين عند المفهوم الذي أخذ به , وذهب ليبيَّن ضعفه وهشاشته ومخالفته لفلان وعلان و... وهكذا يقف المفكرون على العتبات ,عند المصطلح أو المفهوم ويدخلون في التيه والتشتت .
لهذا السبب جعلنا العنوان الدولة التي نريد , في محاولة لتقليل الخلاف مع نقاد المفاهيم . لم نصف هذه الدولة بأية صفة حتى لا تتوسع دائرة الخلاف فلم نقل الدولة المدنية , أو الدولة الدينية أو الدولة الإسلامية أو الليبرالية أو الاشتراكية أو الدولة العلمانية وغيرها من الصفات . حتى لا نفقد المضمون الفكري الذي نريد أن نجعله موضوع للفكر والنظر والنقاش .
والدولة التي نريد هي : دولة الفضيلة والعدالة والمساواة . الدولة المساعدة التي تساعد مواطنيها على الرقي والتطور والاستقامة على ثوابت الأمة والوطن , والتي تساعد مواطنيها على تحقيق ذواتهم , وحريتهم , وتضمن أمنهم واستقرارهم وتؤسس العلاقات بينهم على الإخاء والتآلف والمحبة . على قاعدة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والله لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم "
الدولة التي نريد هي الدولة التي تحفظ كرامات المواطنين وتصون حياتهم وحرياتهم وأملاكهم , وتحقق الفرص للجميع بالتساوي " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " دولة تحقق السعادة لمواطنيها فسي الدارين : الدنيا والآخرة . وفي دولة العدل تتفجر إبداعات الشعوب
الدولة التي نريد دولة ذات سيادة مستقلة لها حريتها وإرادتها التي تفرضها بالقوة في الداخل والخارج ,التي تبني علاقاتها مع الإقليم والعالم على أساس مصالحها وثوابتها الوطنية .
الدولة التي نريد لا تسمح لكلٍ طاغية مستبد أن يجد في حكمها ما يسمح باستبداده أو يقبل به ويحتضنه . لأنها تحتكم إلى قوانين تقيِّده وتحد من صلاحياته , فليس هو الحاكم المطلق بل معه مؤسسات لسلطة الدولة تحكم معه , وتمنعه من الاستبداد والظلم والفساد , حتى إذا حاول , فلن يستطيع , لأن لكلٍ مؤسسة في الدولة قوانينها التي تجرم القائمين عليها إذا استسلموا لسلطة أخرى أو خرجوا عن قانون مؤسستهم . ولها دستور يحفظه الشعب بالمهج .
الدولة التي نريد فيها مؤسسات قانونية , تحاكم وتقاضي رئيس الدولة , وتسوقه إلى التحقيق , ويحق للمواطنين اللجوء إليها وتقديم الاتهام لكبار شاغلي الوظائف العليا في الدولة , إذا رأوهم خانوا الأمانة , وخرقوا لقوانين المنظمة لعملهم , أو خرقوا الدستور المتفق عليه من الأمة . الدولة التي نريد لا حكم للعسكر فيها , ولا يعطيهم الدستور والقوانين المنظمة للمؤسسة العسكرية الحق في الخروج عنها , فلا عسكرة للحياة في المجتمع , والجيش فيها مثل الجيش في تونس الشقيقة فالدولة التي نريد مدنية . تحكم بشرع الله . ولا يقولن غبي أن هذا تناقض . فحيث توجد مصلحة الإنسان فثمة شرع الله كما يقول العلماء .
الدولة التي نريد هي : من يصيغ دستورها وقوانينها أفراد الأمة ويرعونها كما يرعون أولاهم فلا يغفلون عن الخروج عنها طرفة عين . فلا قيمة لدستور أو نظام لا تحرسه الأمة كلها . دستور ينص على المساواة المطلقة أمام القانون يتساوى الغني والفقير , الرئيس والمرؤوس , الأجير والوزير , رئيس الدولة , والموظف البسيط ... قوانين تطمْئِن الناس أن حقوقهم مكفوله وكراماتهم محفوظة به وبالدولة التي تحكمهم وذلك ما يحقق استقرارهم وحريتهم . يقول هيجل : مبدأ علم السياسة :هو أن الحرية متيسرة فقط , حين يتمتع الشعب بوحدة قانونية داخل الدولة " اليوم معظم القوى السياسية والعسكرية هي قوى أنانية لا نزاهة لها , ولا قيم أخلاقية أو وطنية تحكمها , تجدهم حريصين على مصالحهم , نهابين للمال سفاكين للدماء , طغاة مستبدين لا رحمة لهم ولا عهد ولا أمان , مجرمين فسقه , فاسدين ... وهؤلاء إن استمروا في الحكم أو جاءوا إليه بهذه العقلية المستبدة التي لا يحكمها دين ولا شرع ولا قانون , فسوف يعاد حكم الطغاة البغاة من الرؤساء المستبدين الفاسدين الذين لا يرونا إلا ما يرون كفرعون .
الدولة التي نريد يكون شعبها حراً أبياً شجاعاً حياً , يصنع حياته ومستقبله بيده , لا ينتظر من أحدٍ أن يقوم بواجبه أو يهبه حقوقه مكرمة منه . بل هو الذي ينتزع حقه ويصنع نهضته وتطوره. وواجب الدولة تنمية الوعي بواجب الشعب وحقوقهم الدستورية لحفظ نظامهم السياسي
هذه صورة بسيطة لفرد في رؤيته للحياة التي يريد أن يعيشها في ظلِّ دولة عادلة .. لعلها تجد أحياء يؤمنون أن المشاركة السياسية هي أصل في ديننا الإسلامي فيضع كل منا رؤيته , ونصيع صورة لدولتنا الراشدة الفاضلة المساعدة التي نريد طرحها لمجتمعنا كشل من أشكال التنظيم الاجتماعي في المجتمعات الراقية إنسانياً .