ماهر العبادي أبو رحيل
الوطنية الحقيقية: ولاء واخلاص أم توريث ونهب؟
في زمننا الحالي، يبدو أن مفهوم الوطنية قد تحول إلى شيء آخر بعيداً عن الأصول والقيم التي ترتبط به. فالوطنية الحقيقية ليست مجرد تولي مناصب حكومية أو قيادية في الدولة، بل هي ولاء واخلاص وروح انتماء تجاه الوطن وشعبه.
إلا أن الواقع يكشف لنا أن هناك بعض الأشخاص الذين يستغلون المناصب الحكومية لمصالحهم الشخصية، ويتلاعبون بثروات البلد وممتلكات المواطنين. وبدلاً من تقديم الخدمات والتطوير للمجتمع، يعمدون إلى تعيين أقاربهم في المناصب الرفيعة وتحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين الأكفاء والأجدر بهذه المناصب.
بات من المألوف أن يعرض الشخص الذي يتولى منصباً حكوميًا مهاراته وشطحاته في الأسواق، ويستفيد من موقعه لجذب أفراد عائلته ومنحهم وظائف على حساب الأفراد الأكفاء الذين يستحقون تلك المناصب. وهذا يشوب فهمنا لمفهوم الوطنية، فقد أصبحت المؤهلات العليا والتفوق العلمي لا قيمة لها، بل يعتبر الأفضل لصاحبها أن يهتم بأعمال بسيطة مثل رعي الغنم أو بيع البقوليات، بدلاً من تطوير المجتمع واستغلال مهاراته في خدمة الوطن.
وما يزيد الأمر سوءاً هو أن الأشخاص الذين يشغلون مناصب قيادية يميلون إلى التحيز والعنصرية والمحسوبية في أداء واجباتهم. يتجهون خدماتهم نحو عشيرتهم وقبيلتهم ومنطقتهم، مدعين أنهم هم الحقيقيون الذين ضحوا من أجل الوطن، في حين يتم تجاهل الآخرين الذين يستحقون الفرص والمناصب بناءً على كفاءتهم فقط.
الوطنية الحقيقية تتطلب احترام وجهات النظر المختلفة واحترام حرية الرأي، وعدم التخوين لمن يختلفون معنا في الرأي. يجب أن نكون قادرين على قبول الانتقادات البناءة بعيد عن المساس بالوطنية. وبدلاً من ذلك، يجب أن نتعاون معاً لبناء وطن يسوده التسامح والتعاون والعدل.
ومع ذلك، يبدو أن التعيين في الوظائف الوطنية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، يتحول إلى تمليك شخصي للمسؤول الذي يستغل المنصب لصالحه الشخصي. يقوم ببناء فلل وامتلاك سيارات فارهة ويتعدد في الزواج والسفر والاستثمارات، كل ذلك على حساب المال العام دون أي ضمير أو خوف من الله.
في النهاية، فإن الوطنية الحقيقية تتطلب الالتزام بالقيم والأخلاق السامية، وتحقيق المصلحة العامة قبل المصالح الشخصية. يجب أن نسعى جميعاً للعمل من أجل تحقيق التقدم والازدهار لوطننا، وأن نعمل على تعزيز ثقافة الاحترام والتعاون والعدالة في جميع المجالات. إنها المسؤولية المشتركة التي يتوجب علينا جميعاً تحملها لبناء مستقبل أفضل لوطننا.
والله من وراء القصد.