ماجد الطاهري
قصة رحلة طفلة مخنوقة تبحث عن اكسجين بين اروقة المستشفيات
كان الوقت بحدود الساعة الثامنة مساءً حين طرق والد الطفل باب منزلي بشدة، فتحت الباب فبادرني قائلا: طفلتي مخنوقة وتم إحالتها من مركز كرش الصحي الى مستشفى ابن خلدون وأضاف ارجوك الحق على عجاله..
من ساعتي تحركت وانا اتسائل طفلة مخنوقة اليس الاخرى ان يتم اسعافها في سيارة اسعاف طبية مزودة بالاكسجين،وصلت المركز الصحي ورأيت طفلة ملفوفة في خرقة تحملها جدة تجاوزت الستينومن العمر وبالكاد تخطو خطواتها نحو غمارة السيارة، ثم قالت بصوت خافت ارفعوا زجاجات السيارة لا تجعلو الهواء يؤثر على الطفلة وحالا استجبنا لتوجيهات الجدة وانطلقنا مسرعين نسابق الموت غير مكترثين بعتمة الليل ولا مبالين بحفر ومطبات الطريق حتى وصلنا الى اخيرا الى مستشفى ابن خلدون التفت لأرى حال الطفلة حديثة الولادة لم يمضي على عمرها سوى شهر كانت تتنفس بصعوبة واكتسى عيناها الصغيرتان بياض..
دخلنا الى الضابط المناوب في المستشفى وبعد مشاهدته للطفلة قال هذه الطفلة بحاجة الى حضانه وعناية مركزة اذهبوا بها حالا الى مستشفى الصداقة ولا تتأخروا عليها، وحالا ودون اي نقاش مضينا نسابق الزمن حتى وصلنا مستشفى الصداقة كانت الساعة قرابة العاشرة مساء نزلت الجدة حاملة طفلتها بين ذراعيها وبجوارها ام الطفلة وابيها يحثون الخُطا نحو طوارئ المشفى قال الطبيب المناوب للممرضبن اعملوا لها جهاز اكسجين، ثم ارسل ابو الطفلة ليتأكد من قسم الحضانة ليتأكد من وجود سرير شاغر لتمديد الطفلة، عاد الاب من القسم حزينا منكسرا اذا خاب رجاءه بوجود سرير ينجي طفلته من موت محقق، وفي لحظات من التوتر والقلق والحيرة سألنا الطبيب المناوب ماذا نفعل انت تشاهد الطفلة تصارع الموت فأجاب: طيب ايش بيدي انا اعمل لكم اذا كان مافيش سرير فاضي، واضاف لايوجد لديكم حل الا ان تذهبوا بها الى مستشفى خاص مع تحذيره بعدم التأخير فالطفلة في حالة حرجة، حسنا هل بالإمكان ان يعيرنا المشفى دبه اكسجين بمقابل (رهن) لتتنفس بها في رحلة البحث عن الحياة؟ اجاب الدكتور: مع الأسف لا استطيع اعارتكم دبة اكسجين، لكن اذهبوا بها الى المستشفى الالماني انه قريب يبعد مسافة كيلو من المستشفى وحالا تحركنا الى مستشفى الالماني وهناك لم نجد حضانة اطفال واحالونا لمستشفى النقيب بالمنصورة وهناك قال الطبيب المناوب يوجد سرير حضانة ولكن الطفلة بحاجة لعمل جهاز كشاف حالا والجهاز موجود في المستشفى الكوبي، كان الوقت يقارب الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل عندما وصلنا بوابة مستشفى الكوبي كان امام البوابة حارس المستشفى وبجواره عدد من الشباب بدت عليهم علامة الشفقة للبنت بعد ان قصصت لهم رحلتها المضنية للبحث عن حضانة واكسجين، وهناك اتصلو بالدكتور المتخصص على الجهاز والذي رفض القدوم المستشفى في هذا الوقت المتأخر من الليل، وبينما كانت علامات الامتعاض والحزن بادية على اهل الطفلة وتمتمات تحوي كلمات حانقة عن وضع مستشفياتنا الحكومية والخاصة، هنأ تدخل احد الشباب قائلا باقي معاكم مستوصف عدن الطبي هو على طريقكم بنفس الشارع امام جامع الرحمن اذهبوا لعلكم تجدوا هناك ما تبحثون عنه، وحالا توجهنا الى مكان المستوصف كان الوقت حينها قد تجاوز الثانية بعد منتصف الليل واخيرا وبعد رحلة البحث عن الحياة وجدنا المستوصف الذي سيزود طفلتنا بقنينة اكسجين ويحتضنها في زجاجة دافئة..
بعد حوالي ساعة اشار عليا والد الطفلة بانهم سيمكثون هناك وعلي المغادرة والعودة، فـ قفلت عائدا سحرا في طريقي نحو كرش يغمرني شعور بالسعادة انساني تعب وعثاء السفر عندما وجدنا اخيرا منقذا لطفلة بريئة يستحق ان تعيش وتكبر وترسم الابتسامة على محيا ابويها، كما اعتراني في نفس الوقت شعور بالحزن الشديد لما وصل به الحال بمستشفيتنا الحكومية من الاهمال والفساد واللا مبالاة بأرواح الناس، وكذا المستشفيات الخاصة من الإستغلال والمادية والظلم في ظل عدم الرقابة من الجهات المسؤولة في الدولة..
فكرت من الاشخاص فقدوا ارواحهم وهم يتنقلون بين المستشفيات بحثا عن الحياة، منهم من لم يجد سرير أو فصيلة دم، أو دكتور لإجراء عملية عاجلة ثم تساءلت الى متى سيستمر هذا الحال البائس بنا ودعوت الله أن يعافينا من الامراض والاسقام وان يعيين كل مريض ويجعل له مما هو حاصل فرجا ومخرجا.