خيرالله خيرالله
البعد الإيراني للتصرفات الحوثية
الحوثيون موجودون في اليمن. إنّهم جزء لا يتجزّأ من المكون اليمني. ليس في الإمكان تجاهل هؤلاء بأي شكل خصوصا بعدما فرضوا وجودهم بالقوّة ابتداء من 21 أيلول – سبتمبر 2014 تاريخ وضع يدهم على صنعاء.
لكنّ ما لا بد من ملاحظته تحوّل الحوثيين مع مرور الوقت إلى مجرّد أداة إيرانية مكشوفة في منطقة بالغة الأهمّية والحساسيّة، خصوصا أنّ هذه المنطقة هي البحر الأحمر الممر الإجباري إلى قناة السويس. يسعى الحوثيون (جماعة أنصارالله) إلى تعطيل الملاحة في البحر الأحمر بحجة اعتراض السفن المتوجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي. تبين بكلّ بساطة أن الحوثيين، الذين زجوا بأنفسهم في حرب غزّة، كانوا استثمارا إيرانيا ناجحا في اليمن. استطاعوا تحويل جزء من اليمن إلى دولة يسيطرون عليها بعدما كان طموحهم في الماضي السيطرة على إقليم من الأقاليم اليمنيّة والاكتفاء بميناء صغير هو ميدي في محافظة حجة.
ما العمل بالحوثيين ودولتهم التي عاصمتها صنعاء وتضم ميناء الحديدة الذي أصر الغرب في العام 2018 على أن يكون تحت سيطرة “أنصارالله” بموجب اتفاق ستوكهولم. ليس مفهوما ذلك الإصرار الغربي، خصوصا البريطاني وقتذاك، على بقاء الحديدة تحت السيطرة الحوثيّة. هل هو جهل بالحوثيين وطموحاتهم؟ هل هو جهل بالعلاقة العضوية التي ربطتهم بـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” التي باتت تمتلك قاعدة عسكريّة في شبه الجزيرة العربيّة مع حدود طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة؟
على مَن يشعر بالحاجة إلى معرفة ما يريده الحوثيون، أي “أنصارالله” في اليمن، التمعُّن في نصّ رسالة التهنئة التي وجّهها عبدالملك بدرالدين الحوثي إلى “الأمّة الإسلامية والشعب اليمني” في مناسبة حلول عيد الأضحى المبارك. كان ذلك مباشرة بعد وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 2014. لم يتردّد زعيم الحوثيين في رسالته، التي كانت بمثابة البيان الرقم واحد، في اعتبار ما يحصل في اليمن “ثورة”. سمَّاها “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر”. وهذا يعني في طبيعة الحال، أقلّه من وجهة نظره، قيام نظام جديد في شمال اليمن وفي البلد ككل. لم يكن ينقص الرسالة سوى الإعلان رسميا عن عودة الإمامة إلى اليمن. ربّما الأمر متروك لرسالة أخرى في مناسبة مختلفة. إنّها عودة إلى ما قبل الجمهورية التي كان اسمها في الشمال، قبل الوحدة مع الجنوب في العام 1990، “الجمهورية العربية اليمنية”. اللافت في الرسالة أنّها لم تتضمن أي إشارة إلى اليمن كبلد عربي. هناك تجاهل تام لأيّ ربط بين اليمن وكلّ ما له علاقة بالعرب. فالكلام في الرسالة موجّه إلى “الأمّة الإسلامية” ويدعو إلى “الوحدة الإسلامية”.
من الضروري العودة دائما إلى تطوّر الحركة الحوثية، منذ قيام حركة “الشباب المؤمن” من أجل استيعاب الواقع اليمني القائم حاليا. يتمثّل هذا الواقع الذي أثبتته الأحداث في أن “أنصارالله” ليسوا مهتمين بأي تسوية سياسيّة في ظلّ السيطرة الإيرانيّة على قرارهم. لم يحترموا حرفا واحدا من الاتفاق الذي وقعوه مع الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي تحت تسمية “اتفاق السلم والشراكة”. ما لبثوا بعدما سهّل لهم عبدربّه الوصول إلى صنعاء أن وضعوه في الإقامة الجبرية. أجبر الرئيس الانتقالي الذي اعتبر أن في استطاعته التذاكي على الحوثيين في الإقامة الجبرية ولا تزال ظروف خروجه من صنعاء بعد احتجازه فيها غامضة…
ثمّة من سيقول إنّه توجد مبالغة في الكلام عن السيطرة الإيرانية على قرار الحوثي. من لديه شكّ في هذه السيطرة يستطيع العودة إلى ما قبل سنوات قليلة. قبل سنوات، عرضت السعوديّة مبادرة سلام. سارع إلى رفض المبادرة السفير الإيراني في صنعاء وكان يدعى حسن إيرلو. كان إيرلو، الذي توفّى لاحقا، بعد إصابته بـ“كوفيد”، ضابطا في “الحرس الثوري”. ردّ باسم الحوثيين على المبادرة السعوديّة ووضع شروطا من أجل قبولها وذلك قبل أن ينبس أي مسؤول حوثي ببنت شفة.
خلاصة الأمر أن الحاجة أكثر من أي وقت إلى مراجعة شاملة للموقف الدولي، خصوصا الأميركي، من الحوثيين ومن وجودهم في اليمن وهو وجود مرتبط بالوجود الإيراني في المنطقة، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان واليمن نفسه.
المهمّ في الأمر أن كل التسويات السياسيّة المطروحة، بما في ذلك تلك التي صدرت عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة هانس غروندبرغ، لا فائدة منها على الرغم من الحاجة إلى وقف المأساة الإنسانية في هذا البلد الذي يعتبر من أفقر بلدان العالم والذي يعاني مواطنوه من الجوع والمرض. لا مجال لأي تسوية في ظلّ موازين القوى القائمة التي ولّدت شعورا بالقوّة لدى الحوثيين الذين باتوا يعتقدون أنّ لديهم الحرية الكاملة في التحرّك في البحر الأحمر.
ما الذي يمكن أن تعنيه هذه المراجعة التي لا بدّ أن تأخذ في الاعتبار البعد الإيراني لكلّ ما يقوم به الحوثيون كونهم جزءا من منظومة إقليمية تابعة لـ“الحرس الثوري”؟
من المفيد في كلّ وقت التذكير بأنّ الحوثيين عرفوا كيفية المناورة سياسيا وعسكريا وكيف استطاعوا أن يكونوا المستفيد الأوّل والوحيد من الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في شتاء العام 2011 وصولا إلى محاولة اغتياله في مسجد دار الرئاسة في صنعاء يوم الثالث من حزيران – يونيو من تلك السنة.
لا يجوز الوقوف ضدّ أي مبادرة تستهدف التوصل إلى تسوية سياسيّة في اليمن. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه في كلّ لحظة هل من اهتمام حوثي بتسوية أم الهدف الوحيد لـ“أنصارالله” تحويل “الدولة” التي أقاموها إلى قاعدة للصواريخ والمسيرات الإيرانيّة في شبه الجزيرة العربية… في غياب من يهتمّ فعلا بدعم القوى، التي من بينها “الشرعيّة” الحالية برئاسة الدكتور رشاد العليمي، والتي قد تكون قادرة على إيجاد توازن عسكري معهم على الأرض اليمنيّة.