تأملات في السلام تنشأ الصراعات

نتيجة اختلاف الناس في مصالحهم وانتماءاتهم ، فأنزل الله الأديان والتشريعات ؛ لضبط إيقاع هذا الاختلاف ، وعندما تطور الفكر السياسي والإداري والاجتماعي للبشرية ، جاءت التشريعات الدستورية والقانونية ، التي رمت حماية الإنسان من الظلم والاستبداد ، وتجريم العنف وتوطيد دعائم السلام ومبادئ وقيم العيش المشترك .

 

عندما امتلك بعض الناس القوة ، وشعر بتفوقه على الآخر، برزت لديهم فطرة الاستحواذ والسيطرة ، التي دفعتهم لسلب حقوق الغير وحرياتهم ؛ مادفع بالغير للدفاع عن أنفسهم، ومن ثم نشأ النزاع وتطور ، ليتجلى في أبشع صوره المتمثلة بالحرب ، فتوقفت العقول عن الحوار ؛ لحل المعضلات والاختلافات ، لتتصادم الأبدان .

 

بتطور البنى السياسية والاجتماعية للإنسان ، وتكون الدولة ، وظهور مفاهيم الشعب والأمة والحزب ، تغيرت أدوات الصراع وأساليبه ، متجاوزة الصورة البدائية ، لتأخذ شكلا عصريا ، يبدو أنه ناعما ، لكنه أكثر وحشية ودمارا .

 

يغيب السلام ، عندما تختل الموازين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وعندما تكن المصلحة العامة والدولة الراعية والناظمة لها محل صراع ، ولم تعد محايدة أو مرجعية ؛ للفصل في الصراعات بمختلف درجاتها وأشكالها .

 

تراكم التباينات داخل المجتمعات وتعقيداتها ، وتغذيتها من أطراف داخلية أو خارجية ، يمثل وقودا ؛ لاستمرار الحرب ، والمستغرب منه أنا في عصر ، أصبحت فيه الحرب في نظر بعض وكلائها في الداخل ورعاتها في الخارج وسيلة ؛ لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ، فاستمرار الاضطرابات في البلدان النامية ، يعد في حسابات الدول الغنية عاملا مهما ؛ لبقائها متصدرة الاسقرار الاقتصادي ويحد من مضمار منافستها على ريادة العالم .

 

تحتاج الشعوب ، التي تعاني من القلاقل والعنف والاحتراب ، لتحقق تطلعاتها للسلام العادل، وتحكيم صوت العقل في حل نزاعاتها ، ووأد ثقافة الغلبة والقهر والاستئساد ، لنخب وطنية تملك قرارها ، تؤمن بأن لغة السياسة والحوار والتوافق الوطني والمصلحة العليا للشعوب ، هي الكفيلة بردم أي خلاف ، وإنهاء أي صراع ، وأن دوي المدافع ، وأزيز الرصاص ، لن ينتج إلا مزيدا من سفك الدماء والخراب ، وتدمير حاضر ومستقبل الشعوب .

 

#عبدالواسع_الفاتكي

مقالات الكاتب