د. عبده يحيى الدباني
خطبة قصيرة من العصر الأموي.. للاحنف بن قيس
الاهداء : إلى اهلنا في فلسطين الجريحة ..فداء ونداء..
أولا
النص :
قال بعد ان حمد الله واثنى على نبيه:
يا معشر الازد وربيعة أنتم اخواننا في الدين، وشركاؤنا في الصهر ، واشقاؤنا في النسب ، وجيراننا في الدار ، ويدنا على العدو ، والله لازد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة ، ولازد الكوفة أحب الينا من تميم الشام ، فإن استشرى شنانكم وابى حسك صدوركم ، ففي اموالنا وسعة احلامنا لنا ولكم سعة.
ثانيا
صاحب الخطبة
هو الاحنف بن قيس التميمي
شيخ تميم في البصرة عاش في العصر الأموي وقد ضرب به المثل في الحلم حتى قال أبو تمام في العصر العباسي يمدح ابن المعتصم :
اقدام عمر في سماحة حاتم
في حلم احنف في ذكاء اياس.
ثالثا التعليق
هذه الخطبة القصيرة التي اثبتناها للاحنف بن قيس التميمي الذي عاش في العصر الأموي ، وكان شيخ تميم في البصرة . والبصرة مدينة عراقية كانت تسكن فيها ثلاث قبائل رئيسية: قبيلة تميم وهي قبيلة كبيرة حلت في البصرة وفي غير البصرة، وقوم من الازد وهي قبيلة يمانية عريقة وكذلك قوم من قبيلة ربيعة العدنانية . فكانت تحصل فتنة بين هذه الثلاث القبائل بعد ان اجتمعوا بعد الإسلام في هذه البلدة بحكم الفتوح الإسلامية.
هذه الفتنة القبلية كانت تحركها عدة اسباب بعضها سياسية وبعضها اقتصادية وبعضها حزازات قديمة بين القبائل، وخاصة بين تميم والازد .
وفي هذه الخطبة القصيرة نلاحظ كيف خاطب الاحنف قبيلة الازد التي كانت موتورة من اختها تميم ، فقد خاطبهم بلغة العقل والحلم والسلام ، من اجل التعايش معهم، ومن اجل الامن والاستقرار في البصرة، لأن البصرة تجمعهم جميعاً فهي قاسم مشترك عظيم بينهم ، بصرف النظر عن اختلاف قبائلهم ، فالبصرة موطنهم مدينتهم ، فلاحظ معي هذه السياسة والحكمة لدى الخطيب الحليم الذي نزع السخيمة من نفوس
أبناء قبيلة الازد وحقن دماء الفريقين، وعلم الجميع درسا في المحبة والتعايش والسلام ، وبين لهم أهمية الوطن وقيمته في زمن لم يكن فيه الولاء للاوطان وكان الانتماء للقبيلة أكبر من الانتماء للوطن
ثم لاحظ كيف فضل ازد البصرة على تميم الكوفة لأن جزءا من تميم كان موجودا في الكوفة فعند الاحنف أن أزد البصرة أحب واقرب اليهم من تميم الذين في الكوفة لأن الرابط بين أزد البصرة وتميم البصرة هو الوطن المدينة في تجلي مبكر لمفهوم الوطن، وفي مواجهة رابطة الدم القبيلة وفي قبول التعدد القبلي في مدينة واحدة .
ثم يضيف ان ازد الكوفة وهم بعيدون بعض الشيء عن البصرة هم احب الى تميم البصرة من تميم الشام ، مع ان تميم الشام هم اقرب من الناحية القبلية ولكنه فضل ازد الكوفة عليهم لأن الكوفة اقرب إلى البصرة من الشام وهذه رابطة وطنية ثانية إلا وهي العراق التي كانت الكوفة والبصرة أشهر مدنها في العصر الأموي .
لقد خاطب الازد وربيعة قائلا انكم اخواننا في الدين وهذه رابطة قوية ، وانتم شركاؤنا في الصهر أي نتصاهر فيما بيينا، فابناؤنا ابناء بناتكم وابناؤكم ابناء بناتنا وهكذا تترسخ العلاقات الاجتماعية في البلد الواحد ،وقال : وانتم أشقاؤنا في النسب فنحن جميعا عرب تجعمنا أصول واحدة، وانتم جيراننا في الدار، أي تجمعنا المدينة البصرة ومن بعدها العراق كدائرة اوسع ، ثم قال وانتم يدنا على العدو أي في حين ياتي غزو خارجي يهدد وجودنا جميعا فنحن يد واحدة على هذا العدو ، نحن شركاء في الدفاع عن بلادنا وموطنا
لقد رفع من قدرهم إذ جعلهم اليد على العدو وحماة الدار وهذا ينم عن محبة وثقة .
وقد أحسن الخطيب الحليم في نهاية الخطبة عندما ارجع أي خلافات بين القبيلتين وأي ثار أو وتر أو أي احقاد واحن إلى سعة الأحلام أي العقول والى سعة الأموال لجبر أي ضرر ودرء لأي فتنة بين الاخوة.