"ممنوع لمس" الغاز
"ممنوع اللمس". يافطة نراها كثيرا. بعض الأحيان لمنع لمس أشياء ليست ذات قيمة. صاحب دكان يعتقد أن لمس البضاعة يوسخها أو يقلل من قيمتها. لا شك أن هذا وارد، ولكن الزبون يحتاج أن يقلب ما سيشتريه بين يديه قبل أن يمد يده إلى جيبه ليدفع قيمته. في محلات كثيرة، تجرب ربطة العنق مثلا، ثم تبادر البائعة بالقول إنها ستأتي لك بواحدة لم تلمس من قبل من الصندوق.
أحيانا أخرى، تكون "ممنوع اللمس" ضرورية جدا. تخيّل لو أن كل مرتاد لمتحف اللوفر في باريس قرر لمس قماش أو خشب أثاث “شقة نابليون”. مهما كانت الأيدي نظيفة، فإن أثرا سيتراكم على خشب الستيل المذهب أو أن بقعا ستبرز على قماش الأثاث أو الستائر.
"ممنوع اللمس" أيضا سياسية وتجارية. كل أزمة في الشرق الأوسط تصاحبها دعوات لمقاطعة المنتجات الغربية وتعطيل بيع النفط وسحب الاستثمارات. كل الأزمات الكبرى في المنطقة ليست بحجم الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين. هناك الكثير من الضوضاء عن العلاقة بين واشنطن وبكين. مغامر مثل الرئيس السابق دونالد ترامب يذهب إلى مدى المواجهة مع شركة مثل هواوي لمنع دخول تقنية 5 جي لبلاده. ماذا يكون رد فعل الصين؟ تغضب وتصرح ويقول مسؤولوها في ترامب ما لم يقله مالك في الخمر. لكن تترك الصين كل شيء على حاله. الاستثمارات في الغرب عموما وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص “ممنوعة من اللمس”.
سمعت من مسؤول خليجي كبير مرة أن بلاده قررت توسيع استثماراتها في الولايات المتحدة. أول شرط وضعه الأميركيون هو أن الاستثمارات لا علاقة لها بأي موقف سياسي يجدّ في المستقبل. وافقت الدولة الخليجية وكان عين العقل. فكرة الضغط من خلال المال والاستثمار خطيرة. الاقتصاد والتجارة والمال جزء من ألعاب السياسة، ولكن بحدود. ما لا تجرؤ عليه الصين أو ألمانيا، ينبغي الحذر منه عندما يتعلق الأمر باستثمارات من دول أصغر.
الأخطر هو “لمس” موضوع الطاقة. تعتقد بعض الدول أن بوسعها أن تعطي أو تمنع. زر يمرر الغاز إلى أوروبا وزر يغلقه. تختلف الجزائر مع المغرب سياسيا، فتعاقب إسبانيا بقطع أنبوب الغاز الذي يمر عبر المغرب. يعتقد المسؤولون الجزائريون أن الأنبوب البديل سيوفر الفرق. ليست هذه المشكلة. الفكرة أن الغاز أصبح سلاحا سياسيا في مواجهة. ها هي أوروبا تعاني من ارتفاع أسعار الغاز وتراجع الإمدادات. تنظر فترى أن سياسيا يمسك صنبور الغاز ويتحكم به. نظريا الأمر من حقه. ولكن هل هذا مسموح به عند دول أوروبية رتبت أمورها على أساس توفر الإمدادات؟ لعل الجزائر أدركت خطورة الأمر، وها هي تعلن أن الأمر قيد البحث. أحدهم وضع يافطة “ممنوع اللمس” على أنبوب الغاز المار بالمغرب. لنا في إيران عبرة. استعرضت عضلاتها وها هي “تشرب” نفطها.
هناك أمثلة وحكم يتداولها الناس عن أذية الفرد لنفسه. بعضها بذيء، والآخر سلس. بالتأكيد أن حكمة “لا تطلق النار على قدمك” من أكثرها دلالة.