د. عيدروس نصر النقيب
هل ما زال العرب عرباً؟؟
أشفقت على أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط وهو يتنحنح ويكح ويتحدث عن المواجهة بين إسرائيل وحماس ويدين العنف وترويع المدنيين ولو كان من أجل الاستقلال كما قال، في إشارة إلى إدانته لما أقدمت عليه فصائل المقاومة الفلسطينية من عمليات هجومية ضد القوات الإسرائيلية التي ما انفكت تنتهك المقدسات وتعتدي على المصلين في المساجد والكنائس وتقتل المدنيين بلا تمييز وبلا سبب قانوني، ويحاول (معالي الأمين العام) المساواة بين الضحية والجلاد بل ويجامل الجلادين الصهاينة على حساب الضحايا الفلسطينيين الذين يعانون من كل أشكال القمع والتنكيل والعدوان منذ ثلاثة أرباع القرن، ولم يخطر ببال معاليه أن جوهر القضية هو صراع بين شعب بكامل أهله وسكانه يتمسك بحقوقه في الحرية والاستقلال والدفاع عن الأرض والعرض وبين قوة مغتصبة وعدوانية واستيطانية لا ترى في الفلسطينيين سوى مجموعة إرهابيين ( أو حيوانات في شكل بشر كما يقول قادة إسرائيل) يجب القضاء عليهم جسدياً ومادياً ومعنوياً، قوات لا هاجس لها سوى التهام الأرض وإبادة السكان وتحويل فلسطين بكامل أرضها وسكانها إلى مستوطنة كبيرة تتبع سلطة بني صهيون.
ما ترتكبه إسرائيل من جرائم تمثل حرب إبادة جماعية تُعتَبَر تحدياً ليس فقط لمبادئ التطبيع الذي قامت به بعض الدول العربية، بل إنه يمثل تحدياً للقانون الدولي ويرقى إلى مستوي جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وهو ما يخالف القانون الدولي ويتعارض معه ويستدعي وقوف مرتكبيه أمام القضاء الدولي وفقا لاتفاقية روما بشأن محكمة الجنايات الدولية.
عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة من الشهداء والجرحى خلال يومين تجاوز الستة آلاف وسيتصاعد أكثر من خلال استمرار الحملة الإسرائيلية على غزة للانتقام من الشعب الفلسطيني على تجرُّئه في كنس هيبة إسرائيل وتمريغها في الوحل، وهو بالتأكيد سيخلف من الضحايا والدمار والخراب ما لم يشهد له التاريخ مثيلاً، لكن كل هذا لا يعني أن إسرائيل قد انتصرت ولا إن الفلسطينيين قد استسلموا وقبلوا بالخنوع لبطش وهيمنة العدوان الصهيوني.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ماذا فعلت الدول العربية لرفض وإيقاف العدوان الإسرائيلي على أهالي غزة وقبل هذا العدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وانتهاك الحقوق الإساسية لأبناء فلسطين وقتل المدنيين ومنهم مئات النساء والأطفال والعجزة، وتدمير المنشآت وسحق كل كائن وكل شيء وكل معلم من معالم الوجود الحياتي في قطاع غزة؟؟
إن المرء يقف حائراً أمام هذا الخنوع والضعف والرعب الذي يعيشه الحكام العرب أمام هذا الصلف والعجرفة والوحشية التي يسلكها الكيان الصهيوني دون أن يضع أي اعتبار لمصالحه مع الدول العربية وخصوصاً الدول التي يرتبط معها بعلاقات دبلوماسية.
لا يمكن أن يتوقع أكثر المتفائلين أن تقوم الدول العربية التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل بقطع هذه العلاقات، لكن أقل ما كان يتوقعه المتابع العادي هو أن يستدعي قادة هذ الدول السفير الإسرائيلي وتقديم مذكرة احتجاج على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق المدنيين الفلسطينيين العُزَّل من النساء والأطفال والمسنين، كما كان من الممكن استدعاء سفراء هذه الدول والتلويح بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي كشكل من اشكال التلويح بإمكانية قطع العلاقات الدبلوماسية بالكيان الصهيوني وهي العلاقات التي لم تخدم إلا مصالح إسرائيل دون أن يجني العرب من ورائها ما يستحق هذ القدر من الاستكانة والصمت.
أحد الإعلاميين العرب طرح سؤالاً لم يخطر طرحه على البال وهو: هل ما زال العرب عرباً؟ وقال أن معيار العروبة والعربية لا ينحصر في مجرد التحدث باللغة العربية، بل إنه يفترض أن يتجسد من خلال الانحياز لمصالح الأمة والدفاع عن أبنائها والتصدي للعدوان عليهم والاستعداد لمعاداة من يعاديهم.
ولخص هذا الإعلامي الرد بأن تجربة الموقف من العدوان الصهيوني على أهالي غزة وحملة الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد المواطنين المدنيين الفلسطينيين كشفت أن معظم الحكام العرب لم تعد تربطهم بالعروبة سوى الإقامة على الأرض العربية ونطق لغتها، أما مواقفهم ودفاعهم عن المصالح العربية وأهمها القضية الفلسطينية فقد أصبحت أقل مما يقوم به أي مواطن عادي في أي دولة غير غربية كماليزيا والبرازيل وفانزويلا وغيرها من البلدان المتعاطفة مع قضية الشعب الفلسطيني والتي سجلت من المواقف ما يستحق التحية والاحترام.
والله المستعان على كل حال