ضياء قدور
إيران... الثورة التي لا تنطفئ
مرت الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة الإيرانية، التي اندلعت العام الماضي على إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني على يد دورية شرطة "الأخلاق" القمعية، بدقائقها الثقيلة والحاسمة مثل عقرب ساعة يتحرك ببطئ شديد بالنسبة للنظام الإيراني المتوجس والخائف من عودة الشارع الثوري الغاضب للمشهد مرة أخرى.
أثبتت الانتفاضة الإيرانية التي اندلعت في سبتمبر الماضي 2022 أنها باتت أكثر ضراوة من سابقاتها، وهي ترسم مشهداً داخلياً غير مسبوق يكون فيه المنتفضون الإيرانيون مستعدون بشكل متزايد لمواجهة قمع السلطات الأمنية في إيران تحت أي ثمن.
ولعبت النساء الإيرانيات في هذه الانتفاضة دور بارز ومحوري كمحركات ودينمو للانتفاضة الشعبية بشكل متزايد وجلي.
في الحقيقة، كان لهذه الانتفاضة ما يميزها ولم تكن مجرد
انتفاضة عابرة كسابقاتها.
لماذا تستمر الانتفاضة الإيرانية؟
حقائق ووقائع الداخل الإيراني، وعجز النظام الحاكم عن تحقيق اختراقات ملموسة وعدم كفاءته، أوصلت المنتفضين الإيرانيين إلى قناعة أن انتظار حدوث انفراجة في الداخل، أو أقل تغير في سلوك النظام، يجعل الأوضاع تزداد سوءً يوماً بعد يوم، وأن لا طائل من الانتظار سوى بتحويل هذا العقل الجماهيري التواق للتغيير من حالة الانتظار والترقب إلى حالة الحسم والاستمرار بالمواجهة.
ما يجعل الانتفاضة الشعبية الأخيرة تدق ناقوس الخطر لدى النظام الحاكم هي مدى الاستعداد الشعبي للمخاطرة إلى أبعد حد، وهذا ما يجعل نظام الملالي يمسك بعصا القمع بيد وجلة ومرتجفة.
القمع لن يؤتي أكله هنا.
على الجانب الآخر، لا يمكن لتركيبة وطبيعة نظام الملالي تقبل التغيير، وما تزال بذور الثورة حية وقابلة للنمو نتيجة استمرار النظام في ذات السياسات القمعية التي أفضت لثورة سبتمبر 2022.
كل يوم تزداد الحاضنة الشعبية الكاره للنظام والساخطة عليه، والنتيجة في المحصلة هي ثورة مستقبلية أشد راديكالية تنذر بأن الأوضاع لا يمكن أن تعود إلى ما قبل سبتمبر 2022.
خوف النظام الحاكم والإجراءات القمعية العبثية
أثبتت الوثائق السرية الهامة التي كشفت عنها مجموعة "انتفاضة حتى الإطاحة"، المقربة من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، حركة المعارضة الإيرانية الرئيسية، أن النظام متخبط على المستوى التشغيلي في مواجهة الانتفاضة.
وفي التفاصيل، تظهر المعلومات السرية المسربة أن نظام الملالي لم يفشل فقط في توقع حدوث انتفاضة شعبية جديدة في سبتمبر 2022، بل فشل أيضاً في تقديم الحلول العلاجية لها.
في إحدى الملفات، يتم الإشارة إلى أن الأسباب التي أدت إلى عزل شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، هو فشله في تقديم خطة متسقة لمعالجة القضايا المتعلقة بتوقع انتفاضة شعبية عارمة في سبتمبر 2022.
في الحقيقة، كانت الرسالة المسربة أشبه بتوبيخ رسمي لشمخاني، على تقديم تحليل "شمولي" لا وصفي للأحداث
كما أظهر المعلومات المكشوفة حديثاً من قبل منظمة مجاهدي خلق كيف أن حامية ثأر الله، الحامية الرئيسية التابعة لحرس الملالي، المكلفة بحماية طهران (لواء محمد رسول الله، سيد الشهداء) عشرات ملايين دولارات "قمعية" أعقاب انتفاضة سبتمبر 2022.
وأظهرت الوثائق، أنه في حال وصول الوضع الداخلي لمرحلة حرجة، سيتولى قائد حرس الملالي قيادة هذه الحامية.
وفي رسالة سرية أخرى، نشرتها مجموعة "انتفاضة حتى الإطاحة"، المقربة من مجاهدي خلق، كشفت عن رسالة سرية من سلامي قائد حرس الملالي، يطلب فيها من الرئيس الإيراني "إغلاق الانترنت للأبد"، في أعقاب اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2023!!
وقبل أيام من عقد الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة سبتمبر 2022 أجرى رئيس نظام الملالي، ابراهيم رئيسي، اتصالين مع رئيس أرمينيا، ورئيس الوزراء العراقي، لإطلاق تهديدات فارغة مع اقتراب موعد تجدد الثورة الإيرانية في 16 سبتمبر 2023.
كان الهدف واضحاً ويتجلى في محاولة حرف الرأي العام الداخلي وإشغاله عن أحداث الانتفاضة، وسحب الأنظار من المركز إلى المحيط، في تكرار لذات مخطط العام الماضي.
خلاصة القول:
أثبت تاريخ الثورات في إيران أنها تيارات ثورية مباشرة تغير الواقع بشكل غير قابل للرجوع، وهذا ما سيجعل نظام الملالي يواجه تحديات جديدة غير مسبوقة على صعيد إيران، ويساهم بدرجة أكبر في تحويل الاهتمام الإيراني من التركيز على السياسية الخارجية نحو أوضاع الداخل بشكل أكبر.
ما زلنا هنا نشير لنفس متغيرات المعادلة ذاتها، ولكن ربما بمعايير أضخم: نظام متضعضع داخلياً وشعب غاضب شديد السخط، وأوضاع اقتصادية متهورة بشكل متزايد.
لا افق سوى استمرار الثورة في ظل هذه الأرض الخصبة.
الحل الحقيقي لإيران في الوقت الراهن هو ليس إعطاء الفرصة للعملاء السريين ولوبيات الملالي، الذين تتركز مهمتهم في نشر معلومات كاذبة ضد المقاومة الإيرانية، وشيطنة حركة المعارضة الإيرانية الرئيسية منظمة مجاهدي خلق، بل تقديم كل الدعم اللازم لهذا البديل الحقيقي والوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ.
أصبح من الواضح للجميع الآن أن نظام الملالي هو التهديد الرئيسي للسلم والأمن العالميين، ومن مصلحة أوروبا وأمريكا ودول المنطقة أن تنأى بنفسها عن هذا النظام وتقف إلى جانب الشعب الإيراني. وبدلاً من إصدار الإعلانات، يجب اتخاذ إجراءات تتكون من:
- بدلاً من استرضاء هذا النظام والتفاوض معه، يجب إدانة جرائمه وتبني سياسة حاسمة.
- وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2231، تفعيل آلية الزناد ضد البرنامج النووي للملالي.
- وضع حرس الملالي على قائمة الإرهاب.
- الاعتراف بحق الدفاع المشروع للشعب الإيراني.