د. عبده يحيى الدباني
حول موضوع تحويل رواتب الموظفين إلى البنوك التجارية
(يستكثرون على اليتيمة بكاءها).. ها هو العام الدراسي الجديد قد أطل ولكن على غير العادة، إذ نجد طلاب الثانوية، وحتى طلاب الموحدة لم يذهبوا جميعًا ليسجلوا، بل تخلف الكثيرون على ما يبدو، وهذا يعود إلى الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الناس، وغلاء المعيشة، وغلاء الأدوات المدرسية والزي المدرسي وكل ما يتعلق بالتهيئة للعام الدراسي.
وكذلك نجد المعلمين غير مستعدين ولا متحمسين لانطلاق العام الدراسي بسبب رواتبهم الضئيلة وبسبب التهديد بتحويلها إلى البنوك التجارية وعدم حصولهم على العلاوات السنوية وغير ذلك من المنغصات والنواقص.
أما في الجامعات فإن التسجيل ضعيف جدا إلا للمقتدرين من الطلاب، حتى الجامعات الحكومية صارت كأنها جامعات خاصة، وحتى الطالبات اللاتي كن يتدفقن أكثر من الطلاب إلى التسجيل قلَّ عددهن بشكل ملحوظ بسبب ما ذكرنا سابقاً من تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
أما أكثر الخريجين من الشباب فلا أعمال لهم ولا وظائف فاتجهوا صوب المعسكرات والتشكيلات المختلفة ذات المنشأ الشمالي أو المنشأ الجنوبي، وبعضها تتبع التحالف مباشرة، وهي تشكيلات متناحرة وقودها الشباب بحق أو بغير حق، حتى إن كثيرا من المعلمين والموظفين التحقوا بتلك المعسكرات لتحسين أوضاعهم المعيشية مع أن البعض منهم يحترق في أتونها.
الوضع في البلاد بات بائس، ولا سيما في المحافظات التي يسمونها محررة، وهي في الحقيقة محاصرة يريدون إعادة احتلالها.
لقد صارت البلاد كلها محتلة ومختلة بأكثر من طريقة، مباشرة وغير مباشرة.
والطامة الكبرى ما صدر عن وزارة المالية، غير الموقرة، بتحويل رواتب الموظفين إلى البنوك التجارية، ومنهم أساتذة الجامعات، في خطوة سيئة الصيت غير مسؤولة، تهدف إلى إذلال الموظفين وابتزازهم والمتاجرة برواتبهم التي تعد آخر معقل لهم رغم ضعف القيمة الشرائية لهذه الرواتب البائسة.
وهذا ما جعلنا نطلق على هذا المقال هذا العنوان (يستكثرون على اليتيمة بكاءها) ولعل هذا المثل يختلف من منطقة إلى أخرى، خاصة في كلمته الأخيرة.
إن هذا الإجراء غير قانوني، وكل القوانين المدنية والإدارية تدينه وتستنكره وترفضه ولا تسمح به.. والحكومات في كل مكان تزيد في الرواتب من حين لآخر وتصرف للموظفين علاواتهم السنوية واستحقاقاتهم وتسوياتهم، ونحن حكومتنا غير الموقرة مشغولة بتحويل الرواتب إلى البنوك التجارية من غير أي زيادة أو صرف علاوات مستحقة.
إن مآلات هذا القرار وخيمة على الموظف وعلى المؤسسات وعلى سيادة الناس والبلاد، ولها أبعادها السياسية والاقتصادية، فهذه البنوك التجارية في أكثرها مرجعيتها صنعاء، وقد شرح المتخصصون عواقب هذا القرار ولسنا بصدد شرح هذه العواقب والتفصيل فيها بقدر ما نعبر عن لسان الموظفين ولاسيما الأكاديميين على رفض هذا القرار الجائر والمطالبة والتصعيد من أجل إلغائه؛ لأن له ما بعده، إذ سيترتب على ذلك تأخير الرواتب وتقسيطها وإذلال الناس عند الاستلام وغير ذلك من الأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والوظيفية؛ فضلا عن تحويل الرواتب إلى بند المنح والمساعدات، فهذه جريمة أخرى.
كل هذه الإجراءات المنفلتة والسياسات والحصار منصب على الجنوب وشعبه وموظفيه ومؤسساته بهدف عرقلة مسيرة تحرره وقيام دولته المستقلة، وتعددت الأساليب والهدف واحد، ليس هذا فقط من قبل قوى الشمال ولكن من وراء ذلك أيضا قوى إقليمية ودولية، والله غالب على أمره.