د. مصطفى يوسف اللداوي
المجلس الأمني الإسرائيلي يُقَلِبُ أوراقه القديمة
لا يبدو أن مجلس الوزراء الأمني المصغر لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يختلف عن سابقيه، بل هو صورة طبق الأصل عنهم، فالذين اتخذوا قراراتٍ باغتيال وتصفية قادة الفصائل الفلسطينية والعربية والإسلامية في الداخل والخارج، وملاحقة المطلوبين وقتلهم، واستهداف العقول والطاقات الفلسطينية، وتنفيذ العمليات الخاصة، هم أنفسهم الذين اجتمعوا يوم أمس وقرروا استئناف عمليات التصفية والاغتيال التي بدأ بها أسلافهم، وكلفوا رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يؤاف غالانت بملاحقة المتورطين في أعمال المقاومة وقتلهم، سواء كانوا في فلسطين المحتلة أو خارجها.
كما لا يبدو أن قرارات "الكابينت" الإسرائيلي جديدة أو مختلفة، رغم حملة التهويل والتهديد التي صاحبتها، والتظاهر بأنها ستحقق الأمن لهم وستردع "أعداءهم"، وسيستعيد بها الجيش والأجهزة الأمنية السيطرة على المناطق الفلسطينية التي تشهد توتراً وتصاعداً في العمليات العسكرية، فهي جميعها صورة طبق الأصل عن قراراتهم السابقة، التي نجحوا في تنفيذ بعضها وفشلوا في أكثرها، فلماذا يظنون أنها اليوم قادرة على تحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه في السنوات الماضية، فهي لم تجدهم نفعاً قديماً، ولم تحقق لهم السيطرة والتفوق، ولم تستطع أن ترهب المقاومة وأن تخيفها، ولم تتمكن من إخمادها والسيطرة عليها، فما الذي تغير وتبدل حتى يعتقدون أن نتائجها ستكون مختلفة، وستكون هذه المرة لصالحهم وستردع الفلسطينيين وتضعفهم.
فهل استطاع السور الواقي الذي يهددون بتكراره أن يجتث المقاومة من الضفة الغربية، وأن يحقق الأمن للمستوطنين الإسرائيليين، رغم أنه كان اجتياحاً شاملاً شمل كل أرجاء الضفة الغربية، وأخضعها لإدارته العسكرية من جديد، وقام خلالها بعمليات اعتقال وتصفية واسعة، شملت عدداً كبيراً من قادة المقاومة ورموز العمل السياسي والنضالي الفلسطيني.
وهل أجدت سياسة جز العشب التي استهدفت المقاومين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، وكذلك عمليات الاغتيال الواسعة التي نفذها أرئيل شارون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وهل استطاعت عملية كاسر الأمواج التي ما زال جيش الاحتلال ينفذها ويواصل عملياته بموجب السياسات التي وضعها، في كبح جماح المقاومين وتفكيك خلاياهم ونزع سلاحهم.
وهل تمكنت السياسات القمعية وحملات البطش والتنكيل التي لجأت إليها الحكومات السابقة، وأوصت بها المجالس الوزارية المصغرة، في دفع الشعب الفلسطيني لليأس والقنوط، والتوقف عن أعمال المقاومة
ألا يرى العدو الإسرائيلي ووزراؤه الحمقى الجهلاء، أنهم ما قتلوا قائداً إلا جاء أعظم منه وأقوى، وما اغتالوا مقاوماً إلا خَلَفَه عشراتٌ آخرون أشد بأساً وأقوى شكيمةً وأصلب عزيمةً، وأنهم مهما حالوا إطفاء جذوة المقاومة في منطقة إلا استعرت ناراً في أخرى، واستحالت جحيماً يحرقهم في غيرها.
ألا يرون أن المقاومين لا يخشون الشهادة بل يسعون إليها ويتنافسون عليها، وأنهم لا يخافون المواجهة بل يسرعون نحوها ويستعدون لها، وأنهم يخرجون من بيوتهم، يودعون أطفالهم، ويقبلون أيدي والديهم، وهم في طريقهم لتنفيذ عملياتهم، وهم يعلمون يقيناً أنهم لن يعودوا منها إلا شهداءً أو أسرى، فهل رأوا مقاوماً يخاف من تهديداتهم وترتعد فرائصه من قراراتهم، أفلا يرون أن أعداد المقاومين في ازدياد، وأنهم شبانٌ يتنافسون، ورجال يسارعون، وأن جذوة المقاومة تتسع مساحةً وتتضاعف أعدادها، وأن قتلى الجنود والمستوطنين في تزايدٍ ملحوظٍ، وقد باتوا يخشون من بأس المقاومة وجرأتها، ومن مفاجئاتها وقدراتها.
لعل الخائف الهَلِع، الجبان الجَزِع، القلق المضطرب، هو العدو الإسرائيلي لا الشعب الفلسطيني، فما تهديدات العدو هذه إلا تعبيراً عن قلقهم وخوفهم، ونتيجةً لأزمتهم الداخلية وصراعاتهم البينية، وهروباً إلى الأمام من مصيرٍ أسودٍ يترقبهم ومستقبلٍ مظلمٍ يتهددهم، فظنوا بعد أن عجز جيشهم وخابت أجهزتهم عن تحقيق الأمن لمستوطنيهم، وفقدت حكومتهم سيطرتها وتشتت قرارها، أن الحرب النفسية قد تنفعهم وتنقذهم من مأزقهم، وقد تخيف الفلسطينيين وتردعهم، وما علموا أن الفلسطيني لا يخاف التهديد ولا يخشى الوعيد، وأنه يتمنى الشهادة ولا يهرب من المواجهة، وهو الذي يهددهم ويتوعدهم، ويترقبهم ويترصدهم.