د. عبده يحيى الدباني
المجلس الإنتقالي الجنوبي بين الثورة والمشاركة في الدولة !!
من المعلوم أن شعب الجنوب بعد فشل الوحدة الاندماجية مع الشمال وتحولها إلى غزو ومن ثم إلى ضم وظلم والحاق ، صار الوضع في الجنوب وضع احتلال كامل الاركان فجرى اسقاط دولة الجنوب ومؤسساتها المختلفة وما تلى ذلك من اجراءات احتلالية .
رفض شعب الجنوب هذا الاحتلال وبدأ في المقاومة منذ ١٩٩٤م وظهرت أشكال نضالية مختلفة بعضها سلمية وبعضها مقاومة عسكرية .
وفي ٢٠٠٧م خرج شعب الجنوب في ثورة سلمية سميت بالحراك الجنوبي وكان مطب الثورة الأساسي هو أستعادة دولة الجنوب وفك الارتباط مع الشمال وتحقيق الاستقلال .
ومرت الأيام وحدث ماحدث في البلاد بشكل عام وأثر هذا في الجنوب وفي ثورته سلبا وأيجابا وسقط آلاف الشهداء في سبيل هذه القضية العادلة .
عاد الغزو الشمالي من جديد لأرض الجنوب في ٢٠١٥م وانتهى كل هذا بتحرير محافظات الجنوب أو أكثرها
ووقف الجنوبيون إلى جانب التحالف ليس من أجل سواد عيونهم ولا من أجل المال ولكن ايمانا بتحرير ارضهم وتحقيق هدفهم المنشود.
ولكن حدث ماحدث ولم تقم دولة الجنوب المستقلة لأن القضية بشكل عام توسعت وتدخل فيها الأقليم والعالم وصارت الشمال المستولى عليه من قبل الحوثيين والجنوب المحرر نسبيا تحت البند السابع فحقق الجنوبيون في هذه المرحلة أنجازات، ومنها تأسيس جيش جنوبي أو قوة عسكرية جنوبية وقيام المجلس الانتقالي كقيادة موحدة لثورة شعب الجنوب التحررية بعد معاناة في هذا الجانب المهم .
ومرت الأيام فدخل الانتقالي طرفا في الدولة والحكومة المعترف بها تحت ضغوط من دول الأقليم وغيرها، هذه الشراكة كانت مع حكومة الشمال ودولته التي احتلت الجنوب ولكن مكره اخاك لا بطل.
ورأى البعض أن هذا سيقربنا من هدف تحقيق أستعادة الدولة ومن المشاركة في تقديم الخدمات لأبناء شعبنا ، ولكن مرت الأيام فكشفت عن سوء هذه الشراكة بسبب الطرف الشمالي المتربص الذي لا يريد تحرير الشمال بل يريد احتلال الجنوب مرة ثانية .
لعل لهذه الشراكة بعض الايجابيات ولكن سلبياتها كانت ادهى وامر .
هذه الشراكة في الدولة كانت على حساب الثورة التي تسعى إلى دولة جنوبية مستقلة وليس إلى المشاركة مع قوى الاحتلال في دولة واحدة وحكومة واحدة .
كان على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يقود الثورة ولا يتدخل في أمور دولة الاحتلال بصرف النظر أن هذه الشراكة اكسبت الانتقالي شرعية أمام الاقليم والمجتمع الدولي ولكن هذه الشرعية مرتبطة بالدولة اليمنية الواحدة ، وكان يجب النظر إلى سلبيات هذه الشراكة وإلى إيجابياتها قبل الدخول فيها .
واليوم نحن ننظر إلى أن سلبياتها في الميزان اكبر وأن هذه الشراكة كانت ورطة مثل أي شراكة سابقة مع قوى الشمال.
دول الأقليم لا تريد شيئا اسمه ثورة ولا حراك ولا تحرير ولا العودة إلى الشعب والجماهير مع أن الشعب هو صمام أمان هذه الثورة التحررية وتحقيق أهدافها الكاملة .
سار الجنوبيون في القيادة على هذه الشراكة ولكنها لم تحقق لا أهداف قريبة ولا بعيدة ، وكما ذكرت فقد أضعفت ثورتهم التحررية إلى درجة أن الشعب تضرر .
الشعب الذي هو صمام أمان الثورة وهو صاحب المصلحة الحقيقية فيها وهو الذي قام بها اصابه الضر وبدأ يتذمر ويتململ من قيادته السياسية لأنها صارت شريكة في هذه النظام والدولة وفي هذه الحكومة في ظل من يصطاد في المياه العكرة ويحمل الانتقالي ما أصابه الشعب من ضر ، هذا الضرر الذي صنعته أساسا قوى الشمال في الدولة والحكومة بمساندة وتخطيط بعض دول التحالف لتركيع شعب الجنوب وقيادته وواد ثورته التحررية.
لقد سعوا إلى تحويل نقاط قوة الثورة الجنوبية إلى نقاط ضعف وفي مقدمة ذلك الارادة الشعبية، مثل ذلك البطل في احدى الروايات المصرية
الذي ثار ضد الاحتلال الاجنبي لبلاده
فعمل الاحتلال على سجنه وتعذيبه،
ومنع عنه حتى التبول فصار هدف السجين البطل هو خروج البول في لحظة معينة وليس خروج الاحتلال وكذلك يصنعون .
ضج الناس في المطالبة بتوفير الخدمات وتحسين المعيشة وإنقاذ الوضع من الانهيار وتوجهت الانظار جنوبا إلى الانتقالي، فصار يتحمل أعباء الثورة والدولة معا، فكانت هذه تجربة فريدة ربما لم يسبق إليها من قبل أن تكون شريكا مع عدوك الذي تريد أن تحقق الاستقلال منه.
ومع هذا نقول ان هذه تجربة خاضها الانتقالي بما أنطوت عليه من اخفاقات وبما وصلت إليه وبما حققت من بعض المكاسب المرحلية.
ولهذا نحن لا نجلد أنفسنا ولا نجلد تاريخنا ولا نجلد الماضي .
هذه تجربة مررنا بها وعلى القيادة الآن أن تراجع هذا الأمر، والمجلس الإنتقالي مايزال جديرا بقيادة الثورة وتحريك الشعب من اجل أستمرار هذه الثورة حتى تحقق أهدافها بصرف النظر عن إملاءات الإقليم والعالم فثورات الشعوب الحرة لا تقبل المساومة في ثوابتها .
أما إذا استطاعت الثورة أن تحقق قيام الدولة أو أي خطوة أخرى متقدمة على هذا الطريق فهذا هو المطلوب حتى إذا تحملت الثورة اعباء الدولة فهذا واجب مهما كانت الصعوبات فالهدف في الأخير هو قيام الدولة الجنوبية المستقلة.
يقول الشهيد حسين مروة رحمه الله عن الثورة :
ومن هنا كان الأبطال الحقيقيّون للثورة ، والجديرون بشرف الإسم العظيم : " الثائر " – هم أولئك الذين يصونون حياةَ الثورة، يصونون ثوريّتَها، وديمومتَها الفاعلةَ الخلاّقة دائماً وأبداً