مصطفى مُنِيغْ
البهلولية والمخاوف الإسرائيلية
الأيام مرآة الزمان عذراء بالفطرة ثم تَحْبَل ، بما تكدَّسَ قي مساحاتها الخيالية من خليط أعمال ، مَن ظنَّ أنها سابحة في فراغ فضاء لا تعبأ بما فوقها مُقيَّد من أثقال ، يتكهَّن مع ذهن سائح مُفَضِّلٍ الأيسر تَصَوُّره خلال مُبَعثَر تِجوال ، يقتات مِن أي شيء وينبطح في أي اتجاه لينام تاركاً تَحَمُّلِ أمانة استقرار المسؤولية للجبال ، في عصيان للفهم وتدمُّرٍ متواصل عن الحال ، معارضاً سرعة مرور تلك الأيام دون أن يكون له فيها ما لجبابرة الرجال ، وقد أنجزوا ما ميزهم عن المسالمين المهذبين المقيّدَّين باستقراء نصوص التاريخ لإقناع أنفسهم أنهم بباب المستقبل سيحظون بأفخر وأفخم وأهمِّ استقبال . الأيام تغيِّب مثل الثراء الناعم عن المُسْنَدِين على استحالة وعجز المُحال ، فما نال رتبة المعالي طامع في الصعود وهو هابط مع مُحَتِّمِي الإفشال . يهود المغرب عامة ومدينة القصر الكبير خاصة ما قنعوا بالصفوف الخلقية لإظهار نبوغهم في الحفاظ على نسلهم وأصلهم ومنبعهم ومَن أساء أو أَحسَنَ إليهم من الصليبيين أو حاملي شعار الهلال ، مهما جعلتهم الأيام خدام صبرهم وعبيد طموحاتهم استولوا على ما رأوه أطيب مآل ، يزرعون فيه ما حصدوه من مدينة القصر الكبير وهم يغادرون في سلام صوب إسرائيل ليتولوا أرفع المناصب الحكومية وقبلها في الجيش وبعد هذا وذاك الكلمة المسموعة أينما حطَّ بهم في تلك المنطقة الرِّحال . مع الأيام اتضح أنهم تركوا بصمة يقرُّها جيل ستتعاقبه أجيال ، من المنصفين إن تذكروا الفضل العائد إليهم في تأسيس أول مؤسسة للتعليم الثانوي في تلك المدينة المجاهدة التي كانت مقر الكسب الحلال ، حينما تنازلوا عن بناية مهيكلة مخصصة كانت لتعليم بنات وأولاد اليهود كحقيقة صادقة لا تقبل الاستئصال ، لم أسمع بهذا بل عايشته شخصياً رفقة ثمانين من الطلبة والطالبات كوَّنوا اللبنة الأولي في استعادة حضارة المدينة والذهاب بها بعيداً نحو الرقي إلى أن استولى عليها من كسَّر زجاج ثقافتها المُثلى ليعوِّضها بثقافة التهافت على ترويج الحشيش انطلاقاً من دواوير تتزعمها "القُلَّة" لتفرز بعض المنبطحين تحت أقدام مَن لا ضمير لهم ولا ملّة . ... التَّسامح مِن شِنْشِنَةِ التُّقاة الأقوياء ، الواصلين الإدراك المفعم بشديد انتباه لما قد تُتَرْجَم كأخطاء، إن نشر الاهمال مهما كان متواضعاً ذاك المُزَيَّن برغبة صنف من الزبناء ، مَن إقبالهم على الشهوات غير البريئة يجعلهم بياعين لما ملكوا فينقلبون بغتة إلى قافلة البُلهاء ، المتجوِّلة مع أجواء مهيأة دوما لاستقبال الأشقياء ، المتجاوزين صور حَصْرِ عالَمِ النُّورِ الصَّابغِ الحياة بلون الضياء ، عن آخر حيث زرقة اللهيب تقترب من صفرة الانتهاء ، إلى حفرة ما من مفترس للانتقام إلا وفغر فاه لالتقاط أضخم الاجزاء ، قبل ولوج العدم المُستَحَقّ وبغير ادِّعاء أّنّه اعتداء ، عدم التسامح رصيد نفوس ليست بالمريضة لكنها منتظرة تعاليم السماء ، حيث مرجعها كانطلاقها ولا أحد يعلم سرَّها إن كانت عكس أو من السعداء ، يوما لا شمس فيه ولا حياة لأجلٍ لا أجل له منعدم الصوت والأصداء . طبعاً مَن لا يُسامح لا يختلف في شيء عن الضعفاء ، يحسبون الظلم موجود لتلَقُّفِهم متى سقطوا في معترك الجبناء ، وتناسوا أنهم بشر ما لغيرهم مكنون فيهم السمع والبصر والعقل و الإحساس بالكرامة وصيانة الكبرياء بغير غرور أو ضوضاء رجالاً كانوا أو مِن النِّساء. الإطلاع المباشر همزة وصل بين العقل وما يحوم حول الذاكرة مِن فِكَر ، اقتناع الأوَّل لا يعني التقيُّد حتى آخر المطاف بما حقيقة المُشَاهَد أساسه مُنْكَر ، ولا أَخْذ اتِّجاهٍ لإدراكِ ما جوهره في مَرَائِرِ الحنظل وسطحه من حلاوة السُكَّر ، بل التريُّت المندمج وقابلية خوض التجربة من عدمها حتى التبين إن كان الهدف صافيا أو ذاك المُعَكَّر، ليس المهم الانضمام لمثل المعسكر ، فقط أن يكون الاختيار كما الحق شرَّع وذَكَر ، وكما لكل كبير فوقه الأكبر ، كذا صغيريتقوى بخيال يستحضره إذا سَكَر ، وكما الصنوبر خشب ينتهي به المقام لكرسي فوقه جلس حاكم مع الزمن يتكرَّر ، كذا ذات البشرتتحلل مكوناته مع التراب ليغدو كومة من عظام لا توازي وزنها حسنات أو سيئات إلاَّ بقدر ما صنع ودبَّر ودمَّر وأجرم قبل أن يصبح بين يدي القدر ، نطحت المعارضة رأسها في صومعة "البنات" بمدينة القصر الكبير أو سعى للهدنة من صَاحَ وزَمْجرَ وبالتالي كَبَّر ، لينهي تدخُّله بتقبيل الارجل ومبالغا في المدح لم يترك ناقصة إلا ولها شكَر، فعاد من فقيه مدسوس مُزَوَّر ، إلى مُحارِبِ الطواحن "دُونْ كِخُوطِي دِي لاَ مَنْشَا" كلما لتلقِّي السُّخرية بَكَر . هي أيام متبادلة بين فرقاء فقراء أجودهم من احترم نفسه وهاجر ليعود قميصه مخطط بالانتصار ، شعره منسق بمقص حلاق كسب ثقة معمري تلك الديار ، وحذاؤه من جلد مصنَّع في معمل لا يأكل للعمال حقوقهم لذا لا يتمزَّق مهما عَمَّر ، وجيبه مملوء بالفرنك البلجيكي والخولدا الهولندية والدولار ، الشرح فيما بعد يأتي باسهاب أو اختصار . ايطاليا دولة عظيمة وتاريخها في القهر والبطش وشراسة الحروب أعظم ، علَّمَت ذات يوم من أيام الغفلة العالم ، أن أرخص ما في الانسان الدم ، فأسكبت منه شرقاً وغرباً ما جعلها تتبوأ بين دول تلك المراحل المصيبة أول مقام ، هذا موضوع قد ينأى بنا عما بصحبة الحسناء البهلولية نراه أهم الأهم ، والبندقية تتراقص فوق مئات الجزر تترقب مثلي الاطلاع على أسرار معرفتها بالكامل يتوقف من خلالها ما جمعنى وهذه المرأة الرائعة أو ينتهي ما بيننا كأول اضطدام . قالت لي بصوت رافقه شبه رجاء : دع اليوم كله لنا فقد أحضرتُ ما يروقكَ أن أرتديه خصيصاً لاسعادك ، وسأتعطَّر بما يريح أعصابك ، وأزيَد من ذلك سأكون ما لم تعهده من امرأة قبلي أو تحظى به من امرأة بعدي ، حتى تدرك حقيقة كم أحببتكَ ولن أبخلَ في شيء أملكه من أجلك ، عساني ابدو في مستوى رقتك وحنانك واقدامك على ارتباطك بي وأنا ما أنا كانسانة ليس لها ما يحميها من عشقك سوى الاستسلام لقدري معك ومرافقتك لآخر رمق في حياتي . وحتى تعلم بصدق نوايايا منذ البداية معك ، سأطلعك عما يتصل بي وأكثر بذاك الرابط الذي يطوقني واسرائيل بحبل واحد لا خلاص منه البتة إلا ونحن معا في درجة من امان تغطي تخوفنا من الآتي وتملأ تواجدنا بالاحساس اننا من البشر وعلينا أن نعيش مثلهم داخل دولة مُعترف بها الاعتراف السَّليم دائما وليس المقيَّد بشروط مهما كانت في مجملها تظل مجهولة لدى الخاقدين علينا المتطلعين للقضاء على حقنا في الحياة ، وهم لا يظلموننا وحسب ، بل يشاركون بطريقة غير مباشرة مَن يلحقون مساعدتهم لنا بأقسى أنوااع الشروط ، وما ستقف عليه حبيبي مصطفى منيغ يوضح لنباهتك ما نصنع كاسرائيليين لنخفف من ثقل تلك الشروط في جانبها المادي ، مستعملين دهاءأ غير مسبوق محصّنين أنفسنا بسرية تامة ، بعد ذلك سنعرِّجُ بك لدنيا أخرى غير مألوفة لك ولكل الفلسطينيين الذين دفعهم الحماس للوثوق بمن حولهم ، وهم في ذلك يشاركون في ارتكاب بدل الخطأ الواحد عشرات الأخطاء ، التي لن تزدهم الا الماً على ألمٍ ، وتمزُّقاً على تمزُّق وتفرقة على وشك الوصول بهم إلى ذروة الخسارة الكبرى .