د. عبده يحيى الدباني

شاعرة جريحة تضع يدها على جراح الوطن

وكالة أنباء حضرموت

هي شاعرة من حالمين ، اسمها ايمان علي صالح الخواجة ، وتكنى بام احمد الضالعي نسبة إلى زوجها من الضالع ،
من مواليد حالمين في مطلع الثمانينيات، ونشأت ودرست في وادي  شرعة الخصيب في حالمين ، وهي معلمة تخرجت من معهد دار المعلمين في ردفان في نهاية التسعينات .
أما والدها فهو استاذ الأجيال -ونحن منهم- الا وهو الأستاذ القدير  علي صالح الخواجة، من اوائل المعلمين الذين قدموا من لحج  بعد استقلال الجنوب إلى منطقة حالمين وبهم تاسس التعليم الحكومي في حالمين عام ١٩٦٨م. 
 ومرت السنون وابناء لحج يعلمون في حالمين وفي غيرها مع معلمين آخرين من عدن وطور الباحة وغيرهما، وفي مطلع الثمانينيات عادت أكثر هذه النوارس إلى لحج وغيرها وبقي منهم القليل يخدمون في مدارس حالمين، بعد ان نشأ جيل متعلم في حالمين وانخرط العديد منهم في سلك التدريس، وكانوا خير خلف لخير سلف.
وكان الاستاذ على صالح الخواجة أبو الشاعرة لم يغادر المشهد التربوي في حالمين مع من غادر، ولكنه بقي هناك 
تدريسا وعيشا واستقرارا ولا سيما بعد ان تزوج فتاة من بنات المنطقة،
ومازال يعيش في عاصمة مديرية حالمين ( حبيل الريدة)  لم يفارقها رغم أنه الآن طريح الفراش ، نسال الله ان يشفيه ويعافية، كما ندعو السلطة المحلية في حالمين ومكتب التربية فيها إلى العناية بهذا التربوي العريق فهم من طلابه.
وعودة للحديث عن الشاعرة أم احمد  فانها ظاهرة شعرية نسوية ريفية اخترقت حاجز  الخوف والتردد وخرجت هي وشعرها إلى النور  في حالمين  وذاع شعرها على مستوى الجنوب الحبيب .
لقد سارت على نهج الشعر الشعبي في حالمين من حيث الاوزان والقوافي والموضوعات، مضافا إليه شعور المرأة وخصوصيتها وعاطفتها المفرطة .
لقد نوعت ايمان في موضوعات شعرها واهتماماته ، ولم تقع في شرك الموضوع الواحد ، فلديها  شعر وطني جنوبي  وشعر إنساني واجتماعي وذاتي وشعر غزل وكتبت عن معاناتها الخاصة وعن معاناة مجتمعها في الجنوب .
وللتعريف أكثر  فشاعرتنا ايمان هي من ذوي الهمم  فهي مقعدة بعد حادث مؤسف تعرضت له في مقتبل عمرها الزمها كرسيها المتحرك ، لكن ذلك الحادث وتلك الاعاقة فجرا فيها ينبوع الشعر فحلقت عاليا بجناحي الخيال الشعري وانتصرت على اعاقتها .
لقد وجدنا في شعرها قوة ارداة وإصرارا وصبرا  وتحديا وايمانا بالله تعالى واحتسابا فلها من اسمها نصيب امتد إلى شعرها.
وما أكثر ما تحدثت عن الطير في شعرها رمزا للحرية والانطلاق ، لقد مثل لها معادلا موضوعيا فهي تناديه وتناجيه وتساله وتتماهى معه في أكثر من موقف شعري .
ومن ن الموضوعات التي تدور في شعر ام احمد (فلسفة الحياه )
والقليل من الشعراء الشعبيين من  يلتفت إلى هذه القضية ففيها قراءة لواقع الحياة وطبيعة الناس والتامل  في ملكوت الله تعالى .
انها تمتلك روح طيبة حساسة حسنة الظن بالناس فنجدها  تصطدم في واقع الناس  بما فيه من جحود وغير مبالاة وانانية واهمال  تجاه المراة والابداع  وتجاه كل ما هو جميل ، لقد طغى التفكير المادي على الناس وغلبت المصالح المادية الضيقة.
ونستطيع أن نسمي الشاعرة ام احمد بشاعرة الاخلاق والقيم ، فقد تردد صدى ذلك  في شعرها ،فقد  تغنت  بالاخلاق الحميدة الفاضلة ووصفتها وجسدتها  مثل  المحبة والالفة والطيبة والأصالة والتواضع والوفاء وغيرها. 
حتى على مستوى شعرها الوطني فقد الحت على البعد  الاخلاقي في هذا الجانب فهي تشيد  بالتضحية في سبيل الوطن، وترسم صورة بشعة للخيانه أو المتاجرة بالقضية الوطنية الجنوبية، وتنبذ التفرقة والتشرذم بطريقتها الشعرية وليس بالوعظ المباشر أو بالخطب. 
وعندما تمدح فهي تمدح قيما وبطولة وذلك  من أجل الوطن وليس لمصلحة خاصة . 
وقد كتبت الشاعرة ام احمد عن قضية شعب الجنوب شعرآ واضح المعاني وعن الوطن والشعب، وحال المواطن 
ومعاناته في العهد الراهن .
وتتميز أم احمد بطريقة مدهشة في القاء شعرها بصوت نسوي شجي هو ابن بيئته عزة وشموخا . ولها قصائد مغناة.
أم احمد شاعرة متعلمة ومثقفة وقارئة
وقد انعكس ذلك في شعرها الشعبي ،
ولغتها متطورة فليست موغلة في العامية، فهي اقرب إلى لغة المثقفين.

وفيما يأتي نموذج من شعر أم احمد نثبته هنا ثم نعلق عليه بايجاز 
تقول الشاعرة :

انا محتار في امري مع الاحباب والخلان   
            معاهم ابتدي لكن بدايتهم نهاياتي 
 

اجيهم من دروب الياس ادور للأمل عنوان
      .    الاقي دربهم غربه تزود من متاهاتي
 

ارويهم قطر دمعي وناهالك ظماعطشان
         اضمد جرحهم لكن يجازوني بطعناتي
 

اعطيهم وفاء اخلاص لا احصد سوى نكران
       يجازوني جروح وغدر يرموني لاهاتي
 

وانشدهم لمعنى الفرح اطوي الامس بالنسيان
              أقابلهم بود وحب أظهر ابتساماتي
 

ولكن للأسف ارجع حزين ومنكسر ندمان
            اتوشح خمار الهم والحسرة عباياتي
 

اعود بداخلي غصه وأعلن أنني خسران 
        فقد ظنيت احبابي تخفف من معاناتي 
 

الا يا وقت خبرني اين الصح من الغلطان
        انا فضلت احبابي على نفسي على ذاتي
 

وما توقعت منهم غدر ولا قد كان بالحسبان
 .        طيبة قلبي الصادق هي اكبر حماقاتي
 

لكني فهمت الدرس قررت ابتدي الان
    اصحح كل اخطائي اراجع في حساباتي
 

انهي حيرتي انسى معاهم كل ماقد كان
          جعلها خاتمة الاحزان  ونهاية لدمعاتي
 

خلاص باترك دروب الهم لانادم ولازعلان 
      سامحي ذكريات الامس اطويها بصفحاتي
 

واكتم صرخة الاشواق ولو أتعبني الكتمان
   .         اداري نبضة اعماقي اسطرها بعباراتي

اداوي الجرح في قلبي دواء الصبر والنسيان 
       اعيش بحاضري مهما تعثر سير خطواتي 
 

يبقى الحب والتقديرفي قلبي  لمن له صان 
           ومن ماقدر الاحساس ارسل له تحياتي 

هذا مثال من شعر ايمان لم اختره بعناية ليرى ليواجه القارئ شعر الشاعرة بنفسه .
ويكفي أن اشير إلى فلسفة الصداقة التي اصلتها الشاعرة والى هذا البحر الممتد التي نسجت عليه الشاعرة ابياتها فهو ليس من بحور الخليل المعرفة على الرغم من أنه طويل النفس فهو يتكون من ثمان تفعيلات 
إذا قطعناه على هذا النحو :
مفاعلين مفاعيلن مفاعلين مفاعيلن
مفاعيلن مفاعلين مفاعيلن مفاعلين 
ولنا وقفات قادمة مع شعر الشاعرة
بعون الله تعالى.
 

مقالات الكاتب