د عيدروس نصر النقيب
حضرموت ومجلسها “الوطني”
تابعت مثل الكثيرين غيري مجريات التفاعلات التي بدأت منذ نحو شهر ونيف بمساعي عدد من أبناء ووجها ونشطاء بعض مديريات محافظة حضرموت نحو إضافة كيان ساسي حضرمي جديد، يمكن أن يتلاقى أو يتقاطع مع المكونات القائمة في المحافظة كمؤتمر حضرموت الجامع ، وتحالف قبائل حضرموت وقيادة الهبة الحضرمية، بجانب بقية المكونات الجنوبية القائمة ذات الحضور الفاعل على الساحة الحضرمية وعلى رأسها القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
اعتادت الأوساط الإعلامية، والمسيسة منها على وجه الخصوص على التعاطي بحدية واستنفار مع كل حدث يتعلق بمكون سياسي أو اجتماعي أو حتى خيري جديد. وتتمثل تلك الحدية بالمبالغة في التشكيك أو المبالغة في الاحتفاء.
وقد تعلمت من تجربتي السياسية المتواضعة تجنب هذا النوع من التقييم أو حتى التفاعل مع مثل هذه المجريات على هذا النحو، وترك الأمور لاختبارات الزمن، فهو المحك الوحيد الذي يمكن من خلاله البرهان على قابلية هذا الكيان أو ذاك للبقاء على قيد الحياة أو العكس، إذ كل كائن حي قابل للاستمرار في الحياة والتفاعل مع معطياتها ومتطلباتها والقدرة على العطاء والتأثير في مجرياتها سيبقى حياً وسيكون إضافة إيجابية إلى التفاعلات التي تشهدها الساحة الجنوبية، وعدا ذلك فإن كل كيان مصطنع أو مخلَّق معملياً مهما احتفى به المحتفون سيأخذ المدى الزمني الذي يستهلك الطاقة التي شُحِن بها ثم ينطفئ.
باعتقادي أن أي كيان سياسي أو أجتماعي على مستوى أي منطقة جغرافية أو قبلية أو إدارية أو جهوية من الجنوب أو على مستوى كل الجنوب يمكن قياس جدية تأثيره وأهليته وقدرته على المساهمة في الحياة السياسية والعامة من خلال الموقف من ثلاث قضايا رئيسية على الأقل وهي.
الموقف من حرب ١٩٩٤م وآثارها التدميرية على حياة الجنوبيين ومستقبل أجيالهم، فأي كيان سياسي حديث أو قديم حقيقي أو مخلَّق معمليا، لا يتجرأ على إدانة حرب 1994م ولا يطالب بوضوح بإزالة آثارها وتعويض الجنوبيين عن ثلاثة عقود من أعمارهم ومن حقهم في التنمية والنهوض والتعليم ، وعن إعادتهم إلى زمن العلاج بالكي ودخول الجامعة بالغش، إن هذا الكيان سيفقد حصوله على أي تأثير حتى بين أسر من يتزعمون قيادته.
ومن ثم الموقف من ثنائية (وحدة 1994واستعادة الدولة الجنوبية) أو كما يلفظه البعض خطأً (الوحدة والانفصال)، فالأحزاب والكيانات التي ما تزال تعتقد أن دولة 1994م أو حتى دولة عام 1990 م أو حتى دولة الأقاليم الستة التي رسمها رومانسيو حوار موفمبيك، يمكنها العودة إلى الحياة إنما يصرون على البقاء في منطقة الفشل التاريخي المفروض على اليمنيين في الشعبين والدولتين، وإن حل الدولتين وفقا لحدود عام 1990م هو المدخل لإحلال سلام دائم قابل للحياة والديمومة وعدا ذلك يظل تعلقا بالوهم الذي قد يبدو جميلاً للبعض، لكنه وهمٌ كاسمه.
وعندما يتعلق الأمر بمحافظة مثل حضرموت ساحلها وواديها وصحرائها ومثلها محافظة المهرة، حيث تبسط قوات المنطقة العسكرية الأولى هيمنتها ونفوذها وترتكب جرائم في حق الإنسانية بما فيها حرائم القتل والاغتيال فضلا عن حماية مصالح الناهبين ولصوص الثروات والعبث بموارد حضرموت والمهرة معاً، فإن الموقف من وجود هذه القوات ذات التكوين الشمالي البحت والمشكوك في ولائها للجماعة الحوثية، يعد معياراً مهما لأهلية هذا المكون أو ذاك، وقدرته على التصدي للتحديات المستقبلية الماثلة أمام أبناء المنطقة التي يمثلها، فمن لا يتجرأ على التصدي للانتهاكات التي ارتكبتها وترتكبها تلك القوات أو يلجأ إلى التمويه والتتويه والتلميح من خلال الحديث عن “القوات القادمة من خارج حضرموت” وهو تعبير يمكن أن يحمل عشرات التأويلات، أقول أن مثل هذا المكون يحكم على نفسه بالعزلة والضمور والموت المحقق مسبقاً.
أخيراً
هناك من يشيع بأن تشكيل هذا المجلس جاء بمبادرة من قبل الأشقاء في المملكة العربية السعودية لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لاستعراضها أهمها النكاية بالمجلس الانتقالي الجنوبي لكن أصحاب هذه الإشاعة ينسون ثلاثة أمور:
الأول: إن المجلس الانتقالي يتم التعامل مغه بودية وندية من قبل دولتي التحالف العربي الرئيسيتين (المملكة والإمارات) وتحظى قيادته بالتقدير والتوقير من قبل الدولتين، وإن السعودية ليست بحاجة إلى ممارسة النكاية أو الضغط على قيادة المجلس التي هي محل ترحاب واستقبال دائم لدى قادة وأوساط المملكة، ثم إن للمجلس الانتقالي الجنوبي حضوره المميز وممثليه وقيادته المحلية في حضرموت وهو بتحالفه مع قيادة الهبة الحضرمية ومؤتمر حضرموت الجامع وتحالف قبائل حضرموت يمثلون القوة ألأكثر حضوراً على الساحة الحضرمية .
الثاني: إن المملكة فرغت للتو (منذ عام) من عقد مؤتمر المشاورات اليمنية – اليمنية التي شاركت فيها كل القوى والأحزاب والمكونات والمؤسسات والشخصيات والوجاهات اليمنية من الشمال والجنوب على السواء بما في ذلك محافظة حضرموت، وتمخضت عن مجموعة من المخرجات الجذرية التي أهمها نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادي الرئاسي، فهل نست المملكة الشقيقة هؤلاء وتذكرتهم بعد أكثر من عام لتستدعيهم وتشكل لهم مجلساً من عندها؟
أعتقد أن القائلين بهذا يسخرون من السعودية ويستهزؤون بقياداتها التي تعلو أدوارها فوق هذه المستويات العبثية، أما إذا كان هؤلاء هم من نسوا أنفسهم وتذكروا بعد عام من مؤتمر المشاورات في الرياض، فإن السؤال الأبرز سيكون:
ماذا ستقولون لجمهوركم الذي تعدونه بأنكم من سينتزع حق حضرموت في تمثيل نفسها وإدارة شؤونها ؟ وأين كنتم طوال فترة المواجهة مع نظام صنعاء التي بدأتها حضرموت قبل الجميع، بعد حادثة الاغتصاب الشهيرة في العام ١٩٩٧م التي توجت باستشهاد الشهيدين بن همام وبا رجاش؟
الثالث: يتناسى هؤلاء أن المملكة قد تعلمت من تجربتها مع القيادات الشمالية أن تحالفات المصالح الوقتية لا يعود على المملكة إلا بالوبال لأنها (أي المملكة) هي الراعي وهي الممول وهي من يدفع من عائداتها وأموالها المليارات للحلفاء الذين لا يلبثون أن يتحولوا إلى خصوم للمملكة بمجرد وجود مصلحة أكبر من مصلحة التحالف مع المملكة.
وهل نحتاج إلى برهان أكثر من تجربة المملكة مع نظام صالح الذي خرج من مستشفيات المملكة ليتحالف مع وكلاء إيران، أو من جماعة اسطنبول الذين يتسلمون المخصصات السعودية ليهاجموا بها السعودية نفسها؟
أعتقد أن صانع القرار السعودي أكبر من أن تنطلي عليه التحالفات المشبوهة المنعزلة عن الشعب وجماهيره المليونية.
لكن مع كل ذلك يمكن النظر إلى هذا المكون (مجلس حضرموت الوطني) على إنه تجسيد لمصالح وتطلعات مجموعة من الحضارم ذوي التوجهات السياسية المعينة، الذين وجدوا انفسهم خارج المعادلة السياسية فراحوا يبحثون لأنفسهم عن مكانة في الخارطة السياسية الجنوبية أو في التسوية السياسية المستقبلية التي لا بد أن تؤدي إلى استعادة الدولة الجنوبية.
وشخصيا لا أجد نفسي إلّا مرحباً بهذا المكون الجديد في إطار التعدد والتنوع والاختلاف والتباين السياسي البنَّاء على الساحة الجنوبية والحضرمية على وجه الخصوص، وكما يقال لمن أراد أن يثبت حضوره “هذا الفرس وهذا الميدان”.
وبالله التوفيق.