د. عبده يحيى الدباني

حنش ثابت الجباري شاعر القضية والمواجهة والحسم !!

وكالة أنباء حضرموت

في هذه المقالة نتناول على عجالة شاعرا فذا من شعراء هذا الشعب المناضل متحدثا بلغته وبلهجته معبرا عن قضيته وطموحه المشروع إنه الشاعر الشاب حنش ثابت علي الجباري من جبل حالمين لحج،  ولعله قد تجاوز مرحلة الشباب ولكنه شباب في شعره ، وما زلت أنظر إليه شابا لأنه كان من طلابي قبل أكثر من خمسة وعشرين سنة في ثانوية حبيل الريدة حالمين ، فأنا هكذا أنظر إلى طلابي أنهم ما يزالون شبابا مع أن العمر قد مضى وصار الأطفال شبابا والشباب كهولا وصرنا نحن شيوخا ولكن أحساسنا بالزمن ما يزال بعيدا عن  الشعور بالشيخوخة والعجز .
حنش ثابت شاعر مقتدر وتلقائي في شعره وهو ينحدر من  أسرة شاعرة ونستطيع أن نقول أيضا أنه ينتمي إلى قبيلة اشتهرت بشعرها وشعرائها عبر الأزمان ، فأبوه ثابت علي رحمه الله كان شاعرا وكذلك عمه سيف علي عافاه الله يعد من الشعراء ومن متذوقي الشعر والأدب .
لقد نبغ حنش بالشعر منذ شبابه، ومن حين قامت قضية شعب الجنوب تفرغ لها مناضلا وشاعرا لقد جمع بين الفعل والشعر  وبين القول والعمل وليس من أولئك الشعراء الذين يقولون مالا يفعلون فهو أقرب إلى الاستثناء عندما قال تعالى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات واتصروا من بعد ماظلموا ) تفرغ للقضية شاعرا ومعلما  ومناضلا اخلص في نضاله كما أخلص في شعره، وأنا لا أكتب هنا نظرا لقرب موعد  تكريمه ولا أعمل له دعاية ، فهو يستحق منا كل خير وأن نتوقف أمام شعره نقدا وتقويما وتشجيعا فهو شاعر مبدع وشعره يستحق النقد والتقويم والاهتمام فهو مثل زميله الشاعر مطيع المردعي في رصد يوميات الثورة الجنوبية رصدا شعريا متابعا وحريصا عبر محطاتها ويومياتها ، فشعره حاضر في مختلف المناسبات والأحداث والوقائع بما فيها  الوقائع الحربية وسقوط الشهداء وغير ذلك من أيام ثورة الجنوب المجيدة ولهذا نستطيع أن نسميه بشاعر الميدان والمعارك وشاعر القضية والمواجهة والحسم،  كأن شعره هو الجناح المسلح الثقافي و الأدبي للجنوب مع إنه ليس جنديا ولا عسكريا ولكنه أهتم بهذا الجانب في شعره ومتابعة الوقائع العسكرية والدعوة إلى الحسم العسكري الميداني لقضية شعب الجنوب، هو ينسج رأيه شعرا  على هذا النحو وكثيرا من الناس في الجنوب يشاطرونه هذه الفكرة ، على اعتبار:
السيف أصدق انباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب .

وقد ذكرت أولا ان الشاعر حنش ثابت الجباري قد أنذر نفسه وشعره في سبيل قضية شعب الجنوب العادلة وهذا أمر قد شاطره إياه  عدد من شعراء هذا الجيل بحكم إلحاح هذه القضية علينا جميعا،  فقد نالت أكثر الاهتمام شعرا وشعورا  وعملا ، ولكن كان على الشاعر أن يعطي بعض الاهتمام لبعض الموضوعات الاجتماعية أو  وصف الطبيعة في حالمين أو في الجانب التربوي والعاطفي والتأمل في طبيعة الحياة والحكمة،  فموضوعات الشعر كثيرة وليكن أكثرها شعر القضية التي استغرقت معظم شعره ولكننا نوجه هذا الشاعر إلى الاهتمام بالمضامين والموضوعات الأخرى في هذه الحياة الواسعة كأن يعرف بطبيعة المنطقة وغير ذلك من الموضوعات الشعرية هو وجيله من الشعراء .
وها نحن نورد نصا من شعره دليلا على ما تقدم وهو النص الاتي:
 ((كل واحد يجهز عدته واحتراسه))

ساعة الصفر  نادتني مع  صوت  لأجراس.
للكرامة  وطن  الاحرار   تشعل حماسه.

من عتق صاح من شقرة وجبهة مكيراس.
قال   جاوزت  حد  السلمية   والسياسة.

معلنة  للجنوبيين  في  وضع  حساس.
كل واحد  يجهز   عدته   واحتراسه.

لا تقل عاد في فرصة من الوقت  لابأس.
شدد  الأمن حول  العاصمة   والحراسة.

واعلن التعبئة في معركة قطع الانفاس.
دام و الشعب متعطش  ومرفوع  راسه.

جاهزة  للنداء  من حوف ل راس عباس.
تنتظر  امر  ابو  قاسم   زعيم  الرئاسة.

وضعنا تحسمه عوج الكراسي  والاقواس.
لا تهاون  مع  جيش  العدو  او سلاسة.

داخلي  يغتلي  بركان  من  دون  مقياس.
ربما  ينفجر  لو  زاد  طول  احتباسه.

جانب السيف هو والرمح  جهزت لمواس.
غصب عنا نزيل اللحم من حيث خاسه.

الشجاعة  لها  نبرة   وتوجد لها  ناس.
طالما  الحر  يعشقها  وينزد  باسه.

ياوطن  كلنا  ثوار   لأجلك   وحراس.
نلجمه  نار  من فكر  وحاول  مساسه.

من  نقض  عهدنا  با ارد له  كاس  بالكاس.
كاس  علقم  ومر  نسقيه من نفس كاسه.

في جنوب العرب  نملك  إرادة  واحساس.
كفو   منذ  القدم   تاريخ  اهله  وناسه.

نلبس   الشرعية  ثوب الهزيمة  والافلاس.
صار  من ارضنا  واجب  نزيل  النجاسة.

نفرض الامر  عالواقع  وبه نوضع الساس.
والخون  يكسبوا  خيبة  امل  وانتكاسة.

لي وطن حر  قولوا  للتحالف  وتكساس.
راية  النصر  للشعب  الجنوبي  لباسه.
                  
      
فإذا ما نظرنا إلى هذا النص الذي أثبتناه هنا واخترناه نموذجا من شعر الشاعر الذي نقف هذه الوقفة السريعة أمام شعره وهو اختيار تلقائي وليس   بعناية فهناك الكثير من القصائد تتجاوز هذا النص فنا ومضمونا ولكننا أردنا أن نختار نصا بوجه تلقائي.
في هذا النص كما يشاهد القارئ التزم الشاعر قافية نهاية الشطر وقافية نهاية العجز ووفر للقصيدة إيقاعا متجانسا ومتشابها فحرف الروي هو السين في الصدر وفي نهاية البيت  إضافة إلى الهاء.  والسين هو حرف صفير وهو جميل في إيقاعه وموسيقاه كما نلاحظ في هذا النص  ان الشاعر يميل إلى الحسم العسكري في معالجة قضية شعب الجنوب كما نلاحظ الاستنفار والصحوة والدعوة إلى اليقظة مثلما نلاحظ خريطة أرض الجنوب وذكر مناطقها الملتهبة خاصة ونسمع قعقعة السلاح في القصيدة ونجد أسماء الأسلحة ولا ينسى في كل نص أن يعرج على طبيعة هذا الشعب في صموده وعنفوانه وتمسكه  بقضيته العادلة وكذا تحقيق الأهداف المشروعة .
من يقرأ شعر حنش يثق بالنصر المؤزر القريب ويثق بقوة هذا الشعب وإخلاصه ووفائه فلا يخاف خذلانا ولا يخاف فشلا ولا هزيمة .

كما نلاحظ في شعره بشكل عام انه لسان الشعب  كأنه يجسد نبض الشارع فيأتي شعره ملبيا لهذا النداء أو لهذا الرأي العام ثم نجد الحرص على القضية من الأعداء والخصوم الذين يتربصون بها وكذلك عبر عن روح شعب الجنوب في الوقوف إلى جانب قضيته،  ورصد فولاذية هذا الشعب وجبروته عن صدق لا عن مبالغة.. اكتشف هذا المعدن الأصيل لدى الشعب وعبر عنه في قوته وفي شجاعته وفي وفائه وصبره وصموده من أجل قضيته المشروعة كذلك إذا نظرنا في شعره نظرة عامة في ما يخص الجوانب الفنية فنحن نجد التلقائية والتدفق والسلاسة مثلما نجد القوافي المستقرة التي لا يجد التكلف إليها طريقا فهي تأتي وقفات جميلة وموقعة وتنسجم مع ما سبقها في حشو الأبيات فهي محطات ينتظرها السامع أو القارئ وتأتي في مكانها لا تكلف فيها ولا تعسف فهي جزء رئيس من الأبيات ولا تجد  انه الزم نفسه بهذا الروي أو بهذا الوزن، فشعره تلقائي ينحدر كما ينحدر السيل من أعلى الجبل ولهذا وجدنا لديه قصائد كاملة على بحر الرجز مع أن الرجز ليس قصائد طويلة إلا فيما ندر  ولكنه نسج من الرجز قصائد كاملة كما نجد لديه في كثير من قصائده ظاهرة وهي ازدواج القوافي أي  هناك أكثر من قافية في البيت نفسه قافية آخر البيت وأخرى وسطه ..قافية للصدر وقافية للعجز   وهذا يدل على براعته وقوة موهبته وعلى إيقاع شعره وجماله .كما إنه قد برع وأبدع في خواتيم قصائده فهو يختمها بأبيات معبرة وهادفة تختزل مضامين القصيدة لتكون نهاية موفقة في كثير من القصائد مثلما انه يضع عناوين لقصائده ونجد عددا من الشعراء لا يهتمون بالعناوين لكن حنشا شاعر ومثقف وشعره أقرب إلى الفصحى وإلى شعر المثقفين وأن كان باللهجة الشعبية بحكم إنه متعلم ومعلم ومن براعة هذا الشاعر وقوة موهبته لقد نسج قصائد كاملة على حروف مهملة شعريا أي حروف ليس فيها لا تنتهي بها كلمات كثيرة  أو على حروف قليلة الورود كقواف أو رويا لأن وهذا  نوع من التحدي والبراعة فلدى الشاعر قصائد طائية وقلما نسج الشعراء قصائد على حرف الطاء لأن الكلمات التي تنتهي بهذا الحرف قليلة في العربية فوجدنا قصائد طائية وقصائد صادية وغيرها من القصائد على حروف ليست شائعة عادة. الحروف الشائعة التي تستخدم رويا في الشعر العربي هي (ر،ل،د،م،ن، ق ، س ...) وغيرها ولحنش ثابت قصائد من هذا النوع ولكن أيضا له قصائد كان رويها من الحروف غير الشائعة .
وهناك ظاهرة أخرى في شعر الشاعر
وهي أن قصائده ليست طويلة طولا مفرطا ولا هي مقطوعات قصيرة 
فهي قصائد متوسطة الطول 
فلا هي طويلة بحيث يملها القارئ ويتوقف قبل أن يكملها ولا هي قصيرة بحيث يكملها القارئ وفي نفسه طلب الزيادة.
لقد انصف الشاعر قراءه  وانصف نفسه من الوقوع في التكرار 
والطول والتكلف  وغالبا ما كانت قصائده متميزة بوحدة الموضوع.
أي كل نص يعالج موضوعا بذاته
من موضوعات واحداث ومواقف
قضية شعب الجنوب التي هيمنت على شعر الجباري حنش .

مقالات الكاتب