محمد حسن الساعدي
أنهارنا وتركيا.. وأدوات الضغط المتبادلة
تعد مشكلة المياه من المصاعب الرئيسية للعراق, تماشيا مع كونها تحتل مكاناً بارزاً في صدارة المعضلات التي تواجهها الدول، فغالبا تكون السياسات التي تتبعها (دول المنبع) تؤدي إلى خلق الأزمات بين الدول المشتركة.. تركيا من الدول التي تنتهج سياسة القطع والتحكم, من خلال عدم السماح لمرور كميات كافية من المياه إلى سوريا والعراق، وعلى الرغم من أستحقاق العراق لكامل حصته المائية في نهري دجلة والفرات، بوصفهما نهريين دوليين يخضعان للقوانين الدولية, التي تحكم العلاقة بين الدول المتشاطئة والمطلة على الأنهار في ضمان حصتها من المياه.
من الأوضح أن تركيا تتصرّف, وكأن العراق ما زال في فترة الحرب في تسعينيات القرن الماضي، وكما لو أن "اتفاقية التعاون وأمن الحدود" لعام 1983، التي فتحت الطريق أمامها للقيام بالعمليات, ضد حزب العمال الكردستاني في الداخل العراقي ما زالت فاعلة.
شكّلت هذه الاتفاقية أرضية مشروعةً للعمليات ضد حزب العمال الكردستاني حينا، وكان قد تمّ توقيع بروتوكول أمني عام 1984 فتح الطريق أمام القوات التركية, لدخول الحدود العراقية إلى عمق خمسة كيلومترات.. فراهنت الحكومات التركية المتعاقبة على الخلافات الداخلية العراقية، ولا تزال سياستها تدور حول النفوذ الإقليمي وحول مسألة الموصل كركوك، وما يتصل بها من قضايا الحدود والنفط، وحول مسألة المياه.
تركيا التي تتحكم بالحصة المائية للعراق, لا يمكنها أن تتجه بهذا الاتجاه ما لم تكن مدفوعة من مصالحها الخفية، والتي ترتبط إلى حد كبير باستهداف العراق ومياهه،وأدت الى حرمانه من التمتع بكامل حقوقه من مياه النهرين، كما ان سياستها المائية لا تؤثر فقط في نصيب العراق من المياه من الناحية الكمية والنوعية فحسب، بل يمتد تأثيرها في تحديد السياسة المائية وتوجيهها لبقية الدولة الأخرى .
السياسة المائية التركية تجاه العراق زا\ت حدة, وبات لها تأثيرات سلبية كبيرة على الوضع المائي, وعمقت أزمة المياه فيه, بعد قيام الجانب التركي بإنشاء العديد من المشاريع الاروائية والسدود على نهري دجلة والفرات, لتحقيق مصالحها وخلق مشاريع تنموية في منطقة جنوب شرق الأناضول، واستخدام المياه كوسيلة ضغط سياسية مع العراق، مخترقة بذلك القواعد والقوانين الدولية المنظمة لحقوق الدول وحصصها المائية، إلى جانب مخالفتها لمبدأ عدم الإضرار بغيرها, من خلال استمرارها في أنشاء السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات, دون مراعاة لحقوق العراق المائية.
الاعتداء التركي على الحصة المائية للعراق، يجب أن تعده الحكومة العراقية عملا عدائياً, يستلزم اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة تجاهه.. وبما أن بغداد لن تستطيع تحشيد الجيوش على حدود تركيا كما فعلت في عام 1990 لأسباب عديدة ، إلا أنها تستطيع استخدام الملف الاقتصادي, الذي يشير إلى أن حجم التبادل التجاري يصل لأكثر من 20 مليار دولار, معظمها بضائع من تركيا عبر المنافذ الحدودية، وبالتالي أصبح العراق اكبر سوق للبضائع التركية في المنطقة, والتهديد بقطعها او في الأقل وضع ضرائب إضافية عليها, هو كورقة ضغط اقتصادية بالإضافة لتحريك الجانب الاممي عبر قناة الأمم المتحدة,لدفع أنقرة وثنيها عن التمادي في تجفيف العراق وقتل الحياة فيه.. وهي أدوات ضغط يمكنها أن تحقق لنا مكاسب في هذا الملف الحيوي.. وغيره.