خيرالله خيرالله
الابتزاز الحوثي سيستمرّ
ليس حدثا عابرا أن تقصف مسيرات حوثية ميناء الضبّة في حضرموت. يسعى الحوثيون لتحقيق مطالبهم عبر المسيرات بعدما عجزوا عن ذلك عن طريق الاختراقات العسكرية على الأرض، خصوصا في شبوة ومأرب.
تبدو مطالب الحوثيين الذين يسمون أنفسهم “جماعة أنصارالله” محددة. تتلخص هذه المطالب بأنّهم يريدون ضمان حصة من دخل الغاز والنفط الذي ينتج في شبوة ومأرب. يرى هؤلاء أنّه إذا لم تتأمن لهم هذه الحصة، لن يكون مسموحا لـ”الشرعيّة” ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي باستغلال النفط والغاز اليمنيين. من هذا المنطلق، تبدو الرسالة الحوثيّة، عبر المسيرات في غاية الوضوح. ليس رفض تمديد الهدنة سوى جزء من واقع على الأرض يسعى الحوثيون، ومن خلفهم إيران لفرضه.
يتمثل هذا الواقع في أنّ هناك كيانا حوثيا تحول إلى قاعدة صواريخ ومسيّرات في شمال اليمن. في المقابل، هناك “شرعيّة”، برئاسة الدكتور رشاد العليمي، عاجزة عن تغيير هذا الواقع وذلك على الرغم من كلّ الجهود التي تبذلها من أجل تنظيم الأوضاع في مناطق سيطرتها.
ما لا بدّ من ملاحظته أنّ التمدد العسكري الحوثي توقف منذ أشهر عدّة بعد سلسلة الهزائم التي ألحقتها بهم قوات “العمالقة” على جبهتي مأرب وشبوة. كان الهدف الحوثي استكمال السيطرة على محافظة مأرب، وذلك باحتلال المدينة، وفرض سطوتهم على شبوة. استطاع “العمالقة”، وهم في أكثريتهم من الجنوبيين، وقف “جماعة أنصارالله” عند حدود معيّنة. أثبت هؤلاء أن ليس صحيحا أن الحوثيين لا يقهرون. كلّ ما في الأمر أن ليس لدى “الشرعيّة” القدرة على مواجهتهم وذلك على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها رشاد العليمي، وهي جهود تبذل في ظروف في غاية التعقيد، داخليا وإقليميا… ودوليا. لماذا دوليا؟ الجواب أن الإدارة الأميركيّة الحاليّة ليست في وارد استيعاب خطورة الحوثيين على الاستقرار الإقليمي. الدليل على ذلك ردّ فعلها البارد على مهاجمة المسيرات الحوثيّة ميناء الضبة ومنع اقتراب ناقلة نفط من الميناء.
كلّ ما تريده الإدارة الأميركيّة في الوقت الحاضر تمديد الهدنة. لكن السؤال تمديد الهدنة من أجل ماذا؟ يعتبر الأميركيون عبر ممثليهم أن المطلوب حوار يمني – يمني من أجل إيجاد صيغة جديدة للبلد. تظهر في كلّ يوم الأهمّية الإستراتيجية لليمن بشاطئه الطويل وكونه يسيطر على حرّية الملاحة في البحر الأحمر بسبب وجوده على الضفّة الأخرى من باب المندب.
لا يمكن لأي حوار يمني – يمني أن يعني شيئا في الظروف الراهنة في ظلّ المعطيات القائمة على الأرض من جهة وتخلي الحوثيين عن الهدف الذي يريدونه من جهة أخرى. يريدون بكل بساطة حوارا يمنيا – يمنيا يكرس وجود كيان إيراني في اليمن وذلك على غرار ما كان عليه اليمن الجنوبي، حتّى العام 1990، كموطئ قدم للاتحاد السوفياتي في شبه الجزيرة العربيّة. الفارق أنّ اليمن الجنوبي شهد منذ استقلاله في العام 1967 تحولات كثيرة تخللتها صراعات داخلية جعلت الوجود السوفياتي في حال مدّ وجزر، في حين لا وجود لأي صراعات داخلية في اليمن الشمالي، أقلّه ظاهرا، منذ وضع الحوثيون أيديهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر من العام 2014. فعلوا ذلك بتواطؤ مع “الشرعيّة” التي كان يمثلها وقتذاك الرئيس السابق عبدربّه منصور هادي الذي لم يكن يتمتع بأي نوع من الثقافة السياسيّة ولو في الحدّ الأدنى من هذه الثقافة. لعب عبدربّه منصور وقتذاك لعبة التذاكي ولم يدر معنى تسهيل وصول الحوثيين إلى صنعاء بدل التصدي لهم في محافظة عمران. كان في استطاعته ذلك لولا تحييده القوات المسلّحة التي كانت لا تزال بإمرته…
في المدى المنظور، لا تمديد للهدنة في اليمن. كذلك سيستمر الحوثيون في إطلاق مسيراتهم. في حال ردّ “الشرعيّة” عليهم بإقفال مطار صنعاء أو مضايقتهم في ميناء الحديدة، ليس مستبعدا أن يلجأوا إلى تنفيذ اعتداءات، بصواريخ باليستية مصدرها إيران، خارج حدود اليمن كما فعلوا في الماضي القريب.
كانت الهدنة اليمنيّة بمثابة متنفس لليمنيين. كان لافتا التوصل إلى هذه الهدنة مطلع نيسان – أبريل الماضي في موعد ترافق مع الإعلان عن قيام “شرعيّة” جديدة. كانت الهدنة برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة هانس غروندبرغ والمبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ. لكنّ هذه الهدنة مكنت الحوثيين من تحقيق مكاسب من دون أن يقدموا أي تنازل سياسي. لا يزال همّهم الأوّل المحافظة على معظم اليمن الشمالي وجعله كيانا سياسيا تابعا لهم. لا يهمّ الحوثيين ما يحلّ بالمواطنين اليمنيين. لا يهمّهم إذا أكلوا أو جاعوا… لا يهمهم سوى تنفيذ أجندة “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.
في ظلّ استمرار اليمن في الدوران في حلقة مقفلة، يمكن القول إنّ موازين القوّة على الأرض تصبّ في مصلحة الحوثيين الذين يريدون حصة من دخل الغاز والنفط اليمنيين ولا يريدون حلا سياسيا.
بات ما يمكن أن يؤدي إلى حوار سياسي في اليمن مرتبطا بالقدرة على تغيير الوضع على الأرض. هل لدى “الشرعيّة” مثل هذه القدرة؟ الجواب لا وألف لا، أقلّه في الوقت الراهن. ما لا يمكن تجاهله أنّ “الشرعيّة” الجديدة، إذا وضعنا جانبا التجاذبات داخل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم ثمانية أعضاء، تعاني من تركة عبدربّه منصور وجماعته. لم يكتف الرئيس السابق بتمكين الحوثيين من وضع أيديهم على صنعاء فحسب، بل ضرب الجيش اليمني بعدما وضع نصب عينيه الانتقام من علي عبدالله صالح وابنه أحمد الذي كان يقود ألوية الحرس الجمهوري المدرّبة تدريبا جيدا والتي خاضت حروبا عدّة مع الحوثيين.
لا تغيير في اليمن من دون تغيير على الأرض يوقف الابتزاز الحوثي الذي يبدو أنّه مستمرّ إلى إشعار آخر. هل صارت حال اليمن مثل حال العراق وسوريا ولبنان حيث لا مجال لأي تحوّل نحو الأفضل ما دام النظام في إيران حيّا يرزق؟