د عيدروس نصر النقيب
ثورة اكتوبر . . . حينما يحتفل بها أعداؤها
ستمر الذكرى التاسعة والخمسون كما مرت ٥٨ مرة من قبل، وستبقى في عالم الذكريات كما بقيت ٥٩ عاماً دون أن تتراجع قيد أنملة من مكانتها في عمق التاريخ وذاكرة الجنوبيين.
وبعيداً عن جرد قوائم العدد وأسماء وطبيعة أعداء ثورة الرابع عشر من اكتوبر الخالدة، فإن وجود أعداء وخصوم لهذه الثورة هو أمر مفهوم وطبيعي فما من حدث تاريخي بحجم الثورة (أي ثور ة ) منذ ثورة سبارتاكوس ومحمد ابن عبد الله (ص) حتى ثورات الشباب العربي 2011م، إلا ويكون له أعداء وهم قد لا يمثلون إلا رقماً ضئيلاً (١-٥) بالمائة من كل انصار هذا الحدث، لكنه يظلُّ أمراً قائماً ومفهوماً خصوصاً بالنسبة لثورة الرابع عشر من اوكتوبر المجيدة.
لكن ما نتحدث عنه هنا هم أعداء آخرون يتقمصون جلد الثورة ويلبسون لباسها ويستخدمون مفرداتها، ويتغنون باغانيها ويتحدثون عن أمجادها لكنهم لا يبغضون شيئاً مثلما يبغضون هذه الثورة ولم يحاولوا سحق شيءٍ مثلما حاولوا سحق هذه الثورة ومنجزاتها.
لقد ظلَّ من قاموا بحرب ١٩٩٤م على الجنوب
يحتفلون بكل ذكرى من ذكريات ثورة ١٤ اوكتوبر ومثلها ذكرى الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر على مدى ما يقارب العقود الثلاثة، ومع كل احتفال كانت حِصصهم من غائم تدمير منجزات الثورة تتسع وتتضاعف، وهم إذ يحتفلون بهذه الذكرى إنما يحتفلون بغنائمهم ومنهوباتهم وثرواتهم التي حصدوها على خلفية قضائهم على الثورة ومنجزاتها.
كانوا في صنعاء يحتفلون بهذه الذكرى واليوم سيختفلون بها في عدن وفي اسطنبول، مثلما سيحتفل وريثهم الحالي وحليف بعضهم المقيم في صنعاء اليوم، وكلٌ منهم يدَّعي أنه الوصي على هذه الثورة ويسعى بلا أدنى تردد لسحق ما تبقى من معالمها، ولو كان الامر بيده لاقتلع أي ذكرى لها في قلوب المواطنين الجنوبيين.
سيحتفلون بها كلهم، لكن هل سيجرؤ احدٌ منهم أن يتحدث عن أي منجز من منجزاتها غير طرد الاستعمار الذي كان بكل بغضائه وجلافته أقل منهم دموية ووحشية وحقداً وكراهية على هذا الشعب العظيم، وغير توحيد الجنوب الذي صار غنيمة من غنائمهم.
نحن لا ندعوهم للاحتفال بذكرى بناء الجيش الوطني الذي دمروه والامن والشرطة اللذين سحقوهما، ولا أن يتعرضوا للخدمة الطبية والتعليم المجاني الذين قضوا عليهما ولا بالقضاء على الفقر والبطالة والاوبئة وقد اعادوها إلى أعلى المستويات، لكننا نقول لهم:هل ستعيدون أرواح ابناء الثوار والشهداء الذين قتلهم جنودكم، وهل ستعالجون الجرحى والمصابين من ضحايا سلطاتكم وهمجيتكم وعجرفة قواتكم؟
وهل ستردون الاعتبار لثوار ١٤ اوكتوبر الذين ما تزال أحكامكم بتجريمهم وطردهم ونفيهم وحرمانهم وتجريدهم حتى من حقهم في المواطنة قائمة في مدوناتكم القضائية.
ثم: هل ستعتذرون لهم وتكرمونهم وتعلنون أنهم أبرياء من الاتهامات الباطلة التي وجهتموها لهم وادنتموهم بارتكابها زوراً وبهتاناً.
وأخيراً لإن ظنَّ أحدٌ أنه قد نجح في وأد ثورة 14 اكتوبر المجيدة وتعويضنا عنها بالاحتفالات والخطابات نقول له: إن ثورة ١٤ خالدة في قلوب ووجدانات وعقول وضمائر ملايين الجنوبيين الذي لمسوا خيراتها في كل منزلٍ وحارة، في كل مدرسةٍ ومستشفىً، في كل مصنعٍ ومزرعةٍ، في كل راتب شهري كانوا يتقاضونه ويعيشون بفضله بكرامه طوال ايام اعمارهم واليوم صار خبراً لا يطلع على المواقع الإخبارية إلا كل ستة اشهر.
ثورة 14 اكتوبر خالدة في بيوت الفقراء ومساكن المحرومين وفي ضمائر الشرفاء وأحاسيس الأبطال الذين يتمسكون بمبادئها ولن يتخلوا عنها قيد أنملةٍ واحدة، وليس في يافطاتكم البليدة وخطاباتكم الميتة وفعالياتكم الباهتة التي لا روح فيها ولا بريق لها لأن رائحة الزيف والكذب تفوح من بين مفرداتها.
المجد لثورة ١٤ اوكتوبر والخلود للشهداء