أحمد الجعشاني
قبل السفر
عندما كنت اخرج في الصباح للعب امام البيت . كنت لا اجد احد من الاطفال للعب معهم اضجر وانسحب الى الداخل . وفي يوم قرعت باب جيران لنا . وفي ذلك البيت وجدت الصحبه وجدت الالفه وجدت . من هم في مثل سني واصغر مني واكبر مني بسنوات . وجدت فيه أم محمود أمرأة لم اجد مثلها من طيبة وحنان . كانت تستقبلني في بيتها كأنني ولد من اولادها . ودائما ماكانت تنادى اسمي بدل من احمد ياحمودي . كان بيت أم محمود هو الملاذ والمتعة التى وجدت فيها ضالتي. كنت لازلت طفلا في السابعة وهو عام دخول المدرسة . ولم تكن المدرسة كما كنت اتشوق لها . كان الأطفال يقفون في الطابور الصباح . بأدب جم و صمت ملتزمين منصاعين للاأوامر . حالهم من حال المدينه الصامته الهادئه . وكأنهم ورثوا طبعهم المنكسر واللين والطيب من مدينتهم مدينة الصمت . عدا اصوات الغراب المزعجة . التى كانت تحلق فوق سور المدرسه . فكنت بعد العودة منها اذهب الى بيت أم محمود . الذي كان فيه مدرسة اخرى تعلمتها غير المدرسة التى نعرفها . كانت البنت حنان وهي اكبر الاناث من أم محمود . نلعب معها بعرائسها التى تصنعها من قطع القماش وعلب الكبريت والسجائر . كانت تبهرنا بقصصها وتشرد بنا الى خيال واسع مع عرائس القماش . الا أن اللحظات التى غيرت حياتي من طفل صغير وساذج الى طفل اخر يبحث عن المعرفة . كان حين ادخل غرفة محمود الابن الاكبر من أم محمود . وكان يكبرني بعشر سنوات تقريبا . كان قد اكمل الثانويه العامه بينما أنا في اول ابتدائي. كانت غرفته مكتبة كبيرة تجد كل كتب الدنيا فيها . من قصص وروايات عربيه واجنبيه ومجلات وكتب لمفكرين عرب وأجانب . وصوت عبدالحليم حافظ الذي شدني اليه منذو اول مرة اسمعه في غرفة محمود . كنت صغيرا حينها الا اني كبرت في غرفة محمود بين كل تلك الكتب والمجلات وعبدالحليم حافظ . تغيرت فيها كثيرا في عالم جديد لم اكن اعرفه من قبل . ومن سنة الى اخرى . فلم أعد العب كثيرا مع حنان وعرائسها القماش . وبدأت القرأئة من مكتبة محمود هي من تستهويني وتشدني اليها اكثر فأكثر .حتى جاءت مرحلة الثانويه . وأنا أكثر نضجا وفهم . ولكنه فهما اخر للحياة . كنت مثل الحالم الذي يعيش بين الكتب وخيالها الواسع . وليس الواقع الذي كنا فيه . لان ماتقرأه في الكتب حيوات اخرى غير حياتك انت او الواقع الذي انت منه . هكذا فهمت فيما بعد . عندما سألني مصطفي زميلي في الثانويه . لماذا يا احمد لا تنظم معنا في التنظيم . كان سؤاله مفاجئ لي . لم اعلم انه عضو في تنظيم . رغم صحبتي له ثلاث سنوات في الثانويه العامه. تفاجئت من سؤاله ولم اعرف شئ عن التنظيم . الا بعد أن شرح لي ان هناك تنظيم طليعي وتنظيم شعبي وعدة تنظيمات اخرى . وان الطلبه ينخرطون في هذه التنظيمات لاجل العمل السياسي والاستقلال وأضاف ايضا . توجد لديهم منح دراسيه في الخارج او عمل اذا اردت بعد الثانويه . وجدت ان مصطفى اكثر وعي مني وانه يدرك الحياة وماذا يريد منها . كنت صامت اتأمل و افكر حتى استوعب ماقال لي مصطفى . و اعيد ترتيب نفسي . لم اعطى جواب لمصطفى وهو يلح السؤال مرة اخرى . كنت قد عدت إلى منزلنا القديم في كريتر في عدن بعد دخولي الثانويه العامه . وعدن ليست اي مدينه اخرى . عدن كانت مدينتي عشق لاينتهي ليس له حد او نهايه . حين عدت إلى عدن كنت اعرف اني على موعد معها . فهي تعرف كيف تسحرني الى عالمها . كما قال عبدالله فاضل في شعره .
عدن غدت عدنا وليس سواها .
وما بعدها كل المدائن والقرى .
مثل الاماء يسرن خلف خطاها .
كنت في عدن في مدينتي مرة اخرى . الى صخب الحياة في الشارع وضجيج السيارات واصوات الباعة وخطى المارة وصوت الاذاعة وهو ينبعث من المقاهي ومحلات الكاسيت الى خطى النساء والفتيات امام المحلات . كنت امضي هائما لاارى شئ في طريقي إلى البيت . بعد حديثي مع مصطفى كنت مهوسا بفكرة التنظيم . وبدأت افتش النقاب عنها . ومنهم اعضاء التنظيم هذا واين مقراتهم . ولكني لم اكن اجرأ على السؤال لاي احد من الطلبه . ولكني اقتربت منهم اكثر . بعد امتحانات الثانويه العامه . صرت عضو في حزب الاتحاد الشعبي اخترته لان اسم الشعب هو ماشدني اليه وكنت ايضا معجب بزعيمه . وعملت معه في الصحيفة محررا . و انشر بعض تجاربي الشعريه . كنا نلتقي في مقهى شعبي في وسط عدن . أنا ومصطفى واثنين من الزملاء . وانظم الينا مؤخرا الاستاذ اسماعيل . لم أكن اعرفه من قبل . قال عنه مصطفي انه من القيادات النقابيه . كان ذو وجه اليف وشعر اسود ناعم مسدول الى الخلف . بينما حديثه كان منسق ولديه القدرة على إقناعك . و عقلاني بشكل مطلق . كنت معجب به وبفكره الذي بدأ يتضح لنا فيما بعد انه كان يساريا . كنا في بعض الاحيان نجتمع في غرفة صغيره تعلو دكان الحاج مقبل . نتناقش كثيرا ونحدد الاهداف المنصوبه لنا اثناء المظاهرات وتوزيع المنشورات بين الاوساط العماليه في عدن . في اليوم الذي انطلقت فيه التظاهرة الشعبيه . تم اعتقال الكثير من الزملاء وكان اسماعيل من الذين اعتقلو في ذلك اليوم . جاء مصطفي يخبرني عن اعتقال اسماعيل وكان قلقا جدا . وقال لي عليك ان تختفي خلال هذه الفترة . قلت له اين اذهب ولن اسافر الى اي مكان حتى اطمئن على اسماعيل . ظل مصطفى يتردد علي بين الفترة والأخرى . حتى علمنا بخروج اسماعيل من السجن . بعدها قررت السفر الى القاهرة للدراسه . غادرت عدن ولدي احساس ان شئ كبيرا سيحدث. وأن موعده قد حان و أقترب .