د عيدروس نصر النقيب
مرةً أخرى نحن والتحالف العربي
قبل الخوض في الإشكاليات المتصلة بعلاقة الأشقاء في التحالف العربي بالأزمة اليمنية وفي القلب منها القضية الجنوبية، لا بد من الإشارة إلى أن أي حديث عن مثالب أو عيوب ترافق هذه العلاقة لا يمكن أن يستنقص من الموقف العروبي الأصيل والنبيل لدول التحالف العربي تجاه اليمن وأزماته المستعصية وأخص هنا الدولتين الشقيقتين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين لم يقتصر دعمها للقضية اليمنية على تقديم الأموال والأسلحة والدعم الإغاثي الغذائي والدوائي بل امتد ليشمل الدماء والأرواح التي قدمها أبناء الدولتين الشقيقتين لدعم “الشرعية اليمنية” بعد محاولة تسوية الأوضاع بالوسائل المدنية والسلمية قبل أن يضطرا إلى استخدام الوسائل العسكرية للتصدي للمشروع الإيراني في اليمن.
تكمن المشكلة في تعامل الأشقاء في التحالف العربي، مع الأزمة اليمنية في إنهم إما يجهلون تعقيدات هذه الأزمة وطبيعة ثقافة الأطراف الداخلة فيها وخلفيات تلك الأطراف الفكرية والسياسية ومصالحها الاجتماعية والاقتصادية، أو إنهم يستخفون بهذه التعقيدات ويراهنون على استدعاء النخوة والشجاعة الأدبية لدى أطراف النزاع، ويعتقدون أنهم بالضغط على هذه الأطراف والإغداق عليها بمزيد من الإكرام، سيستميلونها إلى المعالجات التي يتقدم بها الأشقاء.
وفي هذا السياق تأتي محاولات حل الأزمة اليمنية إما من خلال:
التعامل مع المظهر السطحي للمشكلة، وعدم التعرض لتعقيداتها العميقة والتعاطي معها من منطلقات إنسانية واخلاقية وإهمال أو تجاهل خلفياتها السياسية والتاريخية، وبتعبير آخر التعامل مع الأزمة من منطلق اللحظة والوضع الراهن، وليس من خلال محاولة سبر أغوارها والبحث عن حلول جذرية تنهي أي احتمال لاندلاع إزمة جديدة في المستقبل.
وإما من خلال محاولة استرضاء جميع الأطراف السياسية المتنازعة واستبقاء صانعي الأزمات ومنتهكي الحقوق ومخالفي الشرائع والقوانين والأعراف دونما محاسبة، بل والإبقاء عليهم أو على ورثتهم في الواجهة السياسية ليواصلوا النهج الذي بسببه وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من انحدار وانهيار أغلق كل نوافذ الأمل في الخروج بالبلاد من المعضلات والمحن التاريخية التي أوصلها إليها حكامها الخائبون.
تقتضي الواقعية السياسية أن نقر بأنه يستحيل أن نطلب من الآشقاء أن يتعاطوا مع تعقيدات الأزمة اليمنية، وفي القلب منها القضية الجنوبية بالطريقة التي نفكر بها نحن الجنوبيين أو حتى تفكر بها غالبية سكان الشمال من ضحايا الظلم والكبت والتهميش، لكن أيضا من الواقعية السياسية أنه عند البحث في أية قضية لا بد من اقتصاص جذور المشكلة الأساسية وعدم االسماح بعودتها إلى الانبعاث من جديد.
بيد إن من بين أسباب إخفاق كل المبادرات والاتفاقات التي يشرف عليها الأشقاء أنهم يعالجون الأزمات اليمنية المتفاقمة والمتشعبه على طريقة إصلاح ذات البين من خلال إعادة توزيع المصالح بين الطبقة السياسة التي يتحكم فيها غالبا المتطفلون السياسيون، وذلك من خلال محاولة جمع المتصارعين والمتقاتلين والحاقدين على بعضهم وإعادة توزيع الكعكة السياسية بينهم، وترك المشاكل الجذرية المتفاقمة المتصلة بحياة الشعب ومعاناة ملايين المواطنين الشماليين والجنوبيين، وبهذا فلا السياسيون يتوقفون عن العبث بحياة شعبهم بعد أن يدخلوا دائرة الاستثمار في معاناة الشعب، ولا الشعبان في الجنوب والشمال يجنيان من كل هذه الجهود سوى المزيد من البؤس والشقاء والحرمان والمعاناة والخراب والدمار.
لعل الجميع يتذكر قصة المبادرة الخليجية التي جاءت كمحاولة لحل النزاع بين نظام علي عبد الله صالح الذي كان قد بلغ عنق الزجاجة في انسداده وعجزه عن الاستجابة لمطالب الشعبين في الشمال والجنوب.
لقد تجاهلت المبادرة الخليجية شيئا اسمه “القضية الجنوبية” وقدمت وصفة ترقيعية لأزمة النزاع بين الحزب الحاكم وبين الشعب في الشمال، لكنها ذهبت لتوزيع الكعكة السياسية بين الحكم والمعارضة وتم تشكيل حكومة الوفاق برئاسة المناضل المعروف الإستاذ محمد سالم با سندوة فماذا كانت النتيجة؟
حينها قال علي عبد الله صالح قولته المشهورة: إنهم لا يعرفون كيف يعارضون لكننا سنريهم المعارضة على حقيقتها، ومن يومها بدأت عمليات قصف أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط في مأرب، وازدهرت تجارة موتورات الكهرباء والشموع والوقود المهربة، واستدعى صالح الجماعة الحوثية وسلمها الحكم والسلاح بما في ذلك قصر الستين.
وكما خابت المبادرة الخليجية في وضع حل نهائي أو حتى مؤقت للأزمة حينها، بتجاهلها لجذر الصراع المتمثل بالقضية الجنوبية، جاء اتفاق الرياض ليشكل معالجة ترقيعية لقضية هي أكبر من مجرد حكومة مناصفة أو تقاسم وزارات، وكما يلاحظ الجميع، لا المبادرة الخليجية نجحت ولا اتفاق الرياض أضاف ساعة كهرباء واحدة أو وفر مرتب شهر واحد لموظفي الدولة لكنه جاء بحكومة كسيحة كل الذي فعلته أنها حسنت مستوى معيشة وزرائها ونوابهم ووكلائهم المنتشرين في بقاع شتى من الأرض.
ولم تنجح حكومة معين عبد الملك و”جيشها الوطني” إلا بأمر واحد فقط وهو تسليم الحوثي الذي قيل أنها جاءت لتهزمه، ثلاث محافظات بكل مديرياتها هي البيضاء ومأرب والجوف، ومعها ثلاث مديريات في شبوة، حفاظا على “أمن ووحدة اليمن واستقراره”.
وأخيراً جاءت مشاورات الرياض التي لم تختلف كثيراً عن سابقاتها، فكلما أنتجته هو استبدال “ثوم” (الشرعية) الخائبة التي لم تصمد أمام مائتي صبي جاؤوا من صعدة، وسلمتهم البلاد كلها بجيشها وأسلحته ومنشآت الدولة ومؤسساتها وبنيتها التحتية وورطت دول التحالف في حرب 8 سنوات لم تنتج سوى طبقة من الفاسدين وأثرياء الحرب، استبدلوها بـ”بصل” (الشرعية) نفسها وجاءوا بأسوأ قيادات تلك (الشرعية) وأولادهم ليعيدوا إنتاج صناع الخيبات ومحترفي الهزائم ليديروا البلد من جديد. كل المبادرات والاتفاقيات التي أشرف عليها الأشقاء في دول مجلس التعاون وعلى رأسها دولتي التحالف الشقيقتين بحسن نواياهم وحرصهم خابت لأنها راهنت على مصداقية من لا مصداقية لهم، واعتمدت على نحوة من لا نخوة لديهم، وركزت على قشور الأزمة وأهملت جوهرها، ولذلك لن تحل الأزمة اليمنية إلآ باقتلاع جذورها، وفي المقدمة:
أولا الفصل بين قضية الجنوب وقضية الشمال، وترك الشعبين ليختارا طريقهما المستقل بعيدا عن وصاية صناع الكوارث ومنتجي الخيبات التاريخية، وحق كلا الشعبين في صناعة مستقبلهما بعيدا عن الوصاية والتبعية وثقافات الفرع والأصل، والمنتصر والمهزوم والتابع والمتبوع.
ثانيا: تحييد صانعي هذه الأزمة وكل الأزمات السابقة من أي حل، جذري لتلك الأزمات، كي لا نقول محاكمتهم وإنزال العقوبة العادلة بكل منهم فهذا الأمر سابق لأوانه في هذه اللحظة.
وبدون ذلك تظل الحلول ومحاولات الخروج بالبلد من معضلاتها الأبدية مجرد محاولات ترقيعية أو جرعات مسكنه لا تعالج ولن تعالج المشكلة من جذورها ولن تصنع لها حلا نهائياً يكفل عدم الرجوع بالبلاد إلى مستنقع الأزمات من جديد.
وأخيراً ومهما كان نبل المقاصد وحسن النوايا في كل ما يبذله الأشقاء مع اليمن واليمنيين فإن الحلول الترقيعية والمسكنات المؤقته لن تصب إلا في مصلحة من يدعون بأن دول الخليج تسعى إلى تدمير اليمن وعدم السماح بقيام دولتين قويتين ولا حتى دولة مستقرة في هذا القطر المنكوب بحكامه.