فاروق يوسف
ستتخلى إيران عن مستعمراتها مقابل نجاتها
حين كانت الولايات المتحدة تسعى إلى أن تتخلص من إرث الرئيس الإشكالي دونالد ترامب كانت إيران في الوقت نفسه تمني النفس في أن تكون العودة إلى الاتفاق النووي جزءا من تلك الحملة التطهيرية. أما حين أظهرت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن حماسة لإبرام اتفاق نووي جديد فإن إيران أظهرت تباطئا في التعامل مع العرض الأميركي وفي ظنها أن في إمكانها أن تحصل على تنازلات تعوضها عن الخسائر التي منيت بها نتيجة العقوبات التي فُرضت عليها أيام الرئيس ترامب.
كان ذلك غباء سياسيا لم تتوقعه أوروبا باعتبارها شريكا في الاتفاق النووي وكانت في وقت سابق قد سعت إلى امداد إيران بكل وسائل الافلات من عنف وقسوة تأثير تلك العقوبات ولو جزئيا. كانت إيران تستعمل لغة مواربة حاولت أوروبا أن تفكك ألغازها من غير جدوى. لقد وضعت إيران سياستها التفاوضية في خدمة أوهام تجمع بين خيال امبراطوري فقير ومحاولة للوصاية العقائدية على شعوب في المنطقة. وهو ما جعلها تتصلب في شروطها في الوقت الذي كان عليها فيه أن تعرف أن صبر الآخرين قد ينفد في أية لحظة كما أنها لم تفكر في إمكانية وقوع تحولات في الموقف السياسي الدولي قد تقلب الطاولة عليها.
في خلفية المشهد التفاوضي كان هناك ما يمكن اعتباره جانبا خفيا. فإيران التي لا تزال تهدد بالتحول إلى دولة نووية فاتها أن لدى الولايات المتحدة المعلومات التي تؤهلها لتحديد المستوى الذي وصل إليه البرنامج النووي وفيما إذا كان ذلك المستوى يشكل خطرا أم أنه لا يزال في طور الممارسات التقنية التي يمكن أن تشير إلى تقدم علمي غير أنها لا تشكل تمهيدا لبلوغ مرحلة انتاج السلاح النووي. لقد توهمت إيران أن في إمكانها أن تستغبي الجميع بما فيهم الولايات المتحدة. ولم يكن ذلك غريبا على طريقة النظام الإيراني في التفكير وهي طريقة دفعت الأوربيين إلى الشعور بالملل فكانت مفاوضات فيينا هي الفرصة الأخيرة قبل أن يُغلق ذلك الملف.
لم تكن إيران تتفاوض على إمكانية السماح لها بالدخول إلى النادي النووي. في المقابل فإن الأميركيين والأوربيين كانوا على يقين من أنها غير مؤهلة لبلوغ تلك المرحلة. ما كان الإثنان يرومان الوصول إليه هو الاتفاق على الحد الأدنى من تقييد السلوك السياسي والعسكري الإيراني في المنطقة. وهو ما كانت إيران تماطل في التفاوض عليه. تلك عقدة إيرانية لم تكن لتُحل عن طريق المفاوضات. فمن المستبعد بالنسبة لمَن تشكلت لديه خبرة بنظام الملالي أن لا يكون متأكدا من أن ذلك النظام لن يتخلى عن مكتسباته السياسية إلا عن طريق القوة. وهو ما دفع بالولايات المتحدة إلى أن تفرض عقوباتها بعد أن صار واضحا لها أن إيران اتخذت من الاتفاق النووي وسيلة للابتزاز بعد أن كافأها باراك أوباما بطريقة مريبة.
وكما يبدو فإن إيران قد أخطأت في توقيتاتها التي جاءت متأخرة بالمقارنة بالزمن الافتراضي الذي تعمل وفقه ساعات الآخرين. فبعد أن نفد صبر الولايات المتحدة وشعر الأوروبيون باليأس من إمكانية الوصول إلى لغة مشتركة للتفاهم ها هما دولتان رئيستان في المنطقة وهما المملكة العربية السعودية وإيران تتوصلان إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يلزمها بوضع حد نهائي للبرنامج النووي الإيراني. في سياق ذلك الالتزام قد لا يكون هناك اتفاق نووي جديد ولن تجرؤ إيران على الاستمرار في التهديد بتطوير برنامجها النووي وصولا إلى انتاج السلاح النووي. فحين تصل المواجهة إلى مرحلة يشعر فيها النظام الإيراني بأن الولايات المتحدة جادة في توجيه ضربة له قد تؤدي إلى سقوطه فإنه سيعيد النظر في كل خططه ولابد أن يكون التخلي عن مستعمراته أولى الخطوات من أجل درء الخطر الذي صار مؤكدا.
وإذ تعلن الولايات المتحدة عن أنها أعدت خطة لعقد اتفاق نووي جديد مع إيران فإن ذلك يعني أنها ستقوم بفرض تلك الخطة باعتبارها خيارا أخيرا، من غيره لن تكون المفاوضات مجدية بين طرف يفرض شروط الحرب وآخر لن يتمكن من الحفاظ على استقراره بسلام مشروط.
فالسلام الذي تحتاجه إيران لن يكون مرضيا لدول المنطقة، ذلك لأنه سيكون على حساب سيادة وأمن واستقرار تلك الدول. اما الحرب التي لا يتمناها أحد فإن إيران لن تقوى على تحمل نتائجها.
لذلك فإن قبولا صامتا بالخطة الأميركية هو الحل الوحيد الذي يمكن إيران من الخروج من أزمة المفاوضات.