فاروق يوسف
هل ينجو العراق من تسريبات المالكي
دعا نوري المالكي إلى قيام حرب أهلية جديدة في العراق، يعتقد أنها ستحسم النزاع بينه وبين مقتدى الصدر.
طرفا تلك الحرب هما حزب الدعوة وأتباعه ومقتدى الصدر ومناصروه. أما أن يكون المالكي زعيما للمقاومة التي هي التسمية الملفقة للحشد الشعبي فتلك كذبة مفضوحة. لن يكون الحشد الشعبي طرفا في تلك الحرب إلا إذا اضطرت إيران لذلك.
إذاً الحرب يمكن أن تتجاوز حدود العراق. فهي حرب أقليمية.
كل ذلك من أجل عيني مختار العصر، زعيم الفاسدين الذي سبق له وأن دخل حربا وخسرها من غير ان يطلق جيشه رصاصة واحدة.
ومن الواضح من ردود الأفعال التي صدرت عن أطراف سبق لها وأن تحالفت مع نوري المالكي تحت لافتة الإطار التنسيقي أن تلك الأطراف غير مستعدة للإجهاز على مشروعها من خلال حرب ستخرج منها خاسرة.
لم يكن المالكي يوما ما غير جاد في كراهيته للصدر. لكنه هذه المرة يعبر عن كراهيته لقيام حكومة لن يكون هو شخصيا مرشدها ولأنه صار يشعر بالخطر فإن دعوته إلى الحرب هي ورقته الأخيرة التي يعتقد أنه من خلالها سيتوصل إلى صيغة جديدة للنظام، تنقذه أولا من خصومه وتعيده إلى سابق عهده يوم كان الحاكم الذي لا يُرد له أمر.
يعيش المالكي خارج العصر. ليس الآن فقط ولكنه كان كذلك دائما. غير أن النظام الطائفي الذي أقامه الأميركان اتسع فضاؤه لطائفي من نوعه، يكون العراق معه ساحة لنزاعات لا نهاية لها. فالرجل كان داعية انتقام من قتلة الحسين. ذلك عبء تاريخي لا يمكن سوى أن يجر الشعب برمته خارج العصر باعتباره فائضا بشريا.
لقد غطى المالكي فساده بذلك العبء التاريخي الذي لم يعد له محل في عصرنا. ولو تُرك الأمر إليه لسفكت دماء العراقيين وقضي عليهم عن بكرة أبيهم من غير أن يتحقق هدفه.
كان من الممكن أن يُحاكم المالكي قبل سنوات باعتباره مجرم حرب غير أن الغطاء الطائفي كان قد حال بينه وبين الوقوع في المصيدة. وهو ما جعله مطمئنا إلى أن طائفيته ستقف دائما بينه وبين السقوط، ذلك لأن كل فضائحه كان يتم الدفاع عنها من جهة كونها انتصارا للمذهب.
اليوم يختفي الغطاء الطائفي. المالكي يواجه عدوا شيعيا هو الصدر كما أن المتحالفين معه صاروا يشعرون بأنه يشكل خطرا على بقائهم في العملية السياسية وعلى النظام الذي هو رصيدهم في الحكم والهيمنة على السلطة. لذلك فإن التخلي عنه هو وسيلتهم الوحيدة من أجل الحفاظ على مصالحهم التي يمكن أن يخسروها إذا ما استمروا في حظيرة المالكي وهم ليسوا من أتباعه كما يُخيل إليه.
يقف المالكي اليوم وحده. هو أشبه بدون كيشوت الذي يُقاتل طواحين الهواء. لن يخسر الصدر وقتا طويلا ليزيحه عن طريقه كما أن التخلص منه من قبل حلفائه لن يكون صعبا بعد أن تأكد للجميع أنه داعية حرب أهلية. ولن يكون من مصلحة إيران أن تنقذه إلا في حالة هروبه إليها وهو ما صار متوقعا بعد أن تملص حلفاؤه من تصريحاته.
نهاية المالكي يمكن اعتبارها نهاية للنظام الطائفي. ولكن ذلك تفاؤل في غير محله. فقد يكون ثمن تلك النهاية أن يُقام تحالف طائفي جديد من أجل بقاء نظام المحاصصة الذي يرفضه العراقيون بعد أن ذاقوا مرارته.
ذلك ما يُخيف في المرحلة المقبلة.
سيكون من الصعب على العراقيين أن تشهد مرحلة ما بعد المالكي محاولة لإعادة انتاج النظام، يتخلى الصدر فيها عن هدفه في إقامة حكومة الأغلبية الوطنية التي هي الأخرى لا تشكل اختراقا لنظام المحاصصة بسبب ما يمكن أن يفرضه تحالف الصدر مع حلفائه السنة والأكراد من التزامات. ولكن ماذا عن المتغيرات في الجانب الشيعي؟
ما لم يُقدم المالكي إلى المحاكمة في عودة إلى سنوات حكمه الثماني وما انطوت عليه من خفايا ومظاهر الفساد فإن شيئا لن يتغير. ستجري الأمور مثلما كانت من قبل. لن يكون سقوط ذلك الرقم الذي انتهت صلاحيته مؤثرا في سير العملية السياسية التي ستظل تدور في مكانها.
اما إذا بقي الصدر مصرا على موقفه الذي لم يكن الهدف منه إسقاط المالكي فإن معادلات سياسية جديدة ستحدث تحولا عميقا في النظام قد يقلب الطاولة على كل رموز المحاصصة ليبدأ العراق دورة حياة جديدة.