كرم نعمة

أنس كسرت أرستقراطية التنس

لا تكمن أرستقراطية التنس، فقط في اقتصار هذه الرياضة على النوادي المخملية مكان ارتياد الطبقة الثرية، بل إن ملاعب كرة المضرب لم تكن في يوم ما مثل ميادين كرة القدم متاحة لأولاد الفقراء من أجل التعبير عن أنفسهم وزيادة منسوب أحلامهم. أنس جابر القادمة من أسرة متوسطة، وحدها من كسرت كل ذلك وأضحت ملهمة التونسيين، بيد أن هذا الإلهام امتد إلى أرجاء العالم العربي حتى دول أفريقيا الفقيرة.

دعك من حصول إيلينا ريباكينا على مبلغ 2.4 مليون دولار بعد تتويجها ببطولة ويمبلدون على حساب بطلتنا التونسية التي لا أحد يرى أنها خسرت. يكفي أن نعرف أرستقراطية كرة المضرب من ثمن تذكرة الدخول إلى ملاعب بطولة ويمبلدون، فليس بمقدور غالبية البريطانيين دفعها، لذلك نرى عشرات الآلاف يتوسدون العشب خارج الملاعب لمتابعة المباريات أمام الشاشات الكبيرة.

جابر أدخلت تلك اللعبة إلى شغف الفقراء في المقاهي التونسية، وصارت ملهمة الفتيات بعد أن أصبحت أول لاعبة عربية، بمن فيهم الرجال، ضمن أفضل عشرة لاعبين في العالم. لأنها ببساطة أعادت في نجاحها كتابة تاريخ رياضي جديد، إذا عرفنا أن أول نادي تنس تأسس في تونس يعود إلى عام 1923، ومنذ ذلك التاريخ لم يخرج إلى المنافسات الكبرى لاعب بمستوى أنس جابر باستثناء سليمة صفر التي وصلت إلى تصنيف 75، لكنها لم تكن موهبة قادرة على التنافس على الجوائز الكبرى كما فعلت جابر.

بمجرد استعادة التاريخ الشخصي لهذه اللاعبة التونسية، سنرى أن المستقبل لن يتوقف، سواء في تونس أو العالم العربي، عن كسر أرستقراطية التنس، ولن تكون تلك الرياضة مقتصرة على نوادي الأثرياء، فأنس ابنة قصر هلال لم تكن تجد ملاعب تتدرب فيها في مدينتها الساحلية الصغيرة، لذلك انتقلت أسرتها إلى سوسة من أجل عيون أنس حيث تحفل الفنادق السياحية بمثل تلك الملاعب.

اليوم التنس مثل كرة القدم في تونس، فالناس يتابعون مباريات جابر بوصفها منتجا محليا خالصا بما تملكه البلاد من إمكانيات متواضعة، بنفس الشغف الذي يجمعهم حول منتخبهم الوطني. فتلك رياضة مليئة بالسحر والتشويق وفق الروائي الراحل فؤاد التكرلي الذي قضى أكثر من عقدين من حياته في تونس، ولا يضاهيها في ذلك سوى الرقص على الجليد.

من الرائع أن تقدم الصحافة الغربية أنس جابر كأيقونة عربية تصنع التاريخ، وترى أنها تمتلك إمكانيات التسديد بطريقة تذكرنا بالسويسري روجيه فيدرر، الذي بقي أطول فترة في قمة التصنيف العالمي. صحيفة نيويورك تايمز عندما أرادت عرض مهارات جابر كتبت ما يشبه القصيدة، فهي لا ترمي الكرة ببساطة. إنها تلعب بها وليس فقط بقوة أذرعها. تدع كرة المضرب تهبط بالقرب من قدميها، وسرعان ما تبرز مهاراتها في حركات أقرب إلى مهاجم كرة القدم، يراوغ قبل أن يصوب نحو الهدف.

كان على جابر أن تحتفل اليوم مثل كل أهلها في تونس بعيد الأضحى بطبق مشوي من لحم الضأن، بعد نيلها لقب ويمبلدون أهم البطولات العالمية في كرة المضرب، لكن الخسارة أحيانا يكون لها طعم الفوز، ذلك ما حصل السبت بفوز ريباكينا التي بدأت هادئة بعد حصولها على اللقب الثمين بقولها “أنا دائماً هادئة جداً. ربما لأني آمنت في داخلي بأنه يمكنني القيام بذلك الفوز باللقب”. لكن أنس لم تترك منافستها الكازاخية الرائعة على هدوئها عندما عزمت على تعليم البطلة الجديدة كيفية الاحتفال بهذه اللحظة الهامة.

مقالات الكاتب