د عيدروس نصر النقيب
مأساة لودر.. مأساة كل الجنوب
ما جرى منذ يومين وسط سوق مدينة لودر بمحافظة أبين من انفجار لمحل بيع الأسلحة والمتفجرات وسقوط قتلى وجرحى وإلحاق أضرار مادية هائلة، لا يحتاج إلى شرح وتوضيح، فالمباني المهدمة ومحتويات المخازن المتوزعة في محيط الحدث والدماء المتطايرة والأشلاء البشرية المتناثرة لا تحتاج إلى شرح، لأنها تشرح نفسها بنفسها.
لن ندخل في تفاصيل سبب الانفجار ولا في التساؤل عن المتسبب في هذ الحدث المؤلم، لكننا نطرح السؤال المنطقي البسيط:
ما حاجة مدينة لودر ومثلها كل مدن الجنوب، إلى مخازن لبيع المتفجرات، والأسلحة؟
ومتى بدأت هذه التجارة اللعينة في الظهور والانتشار، ولماذا؟
في العام ١٩٧٢م عشت مع أكثر من ١٢٠ تلميذ من أبناء المديرية الغربية بمحافظة أبين،وهم أول دفعة تنهي الصف السادس الابتدائي من مدارس المديرية، بعد دفعة سابقة من مدرسة سرار أجرت امتحاناتها الوزارية في مدينة جعار، . . . ذهبنا لإكمال الصف السادس وإجراء الامتحانات الوزارية في هذه المديرية والمدينة الجميلة والمدهشة، ومكثنا ثلاثة أشهر نتعلم في إعدادية الشهيد عبود بلودر ونقيم في القسم التابع لها وكان معنا العشرات من كلاب الإعدادية من أبناء مكيراس وامشعة.
كنا نذهب من القسم الداخلي إلى المدرسة عصراً ونعود بعد المغرب مشياً على الأقدام وصحيح أن المسافة ليست طويلة جدا لكن بعض الأماكن في الطريق كانت موحشة،ومع كل هذا لم نسمع قط عن حادثة اعتداء أو حالة مواجهة أو اشتباك حتى بالأيدي بين أيً من المواطنين كما في كل أرجاء مناطق الجنوب، وذات يوم علمنا أنه تم القبض على مواطن لأنه كان يحمل سلاحاً أبيضاً (جنبية) دون أن يحصل على ترخيص من الجهات الأمنية.
بعد عودتي من الدراسة الأكاديمية وتفرغي في العمل الحزبي، ثم في مجلس الشعب المحلي في ابين بين العام1988-1990م زرت لودر ومديرياتها الثلاث، لودر ومكيراس والوضيع، ولم أشاهد أي مظهر من مظاهر التسلح أو التفاخر بالسلاح، إلا من قبل رجال الأمن الذين كان عددهم لا يصل إلى ضعف أصابع اليدين في كل مديرية لكنهم كانوا يضبطون الأوضاع الأمنية كما تضبط الساعات السويسرية الأصلية .
لم تعرف لودر ولا أي مديرية أو محافظة أو بلدة جنوبية أي مظهر من مظاهر التسلح خارج الأجهزة الأمنية، ناهيك عن الاتجار بالسلاح وفتح أسواق له وهو ما كان يمثل جريمة يحرمها القانون ويعاقب عليها، أقول لم يعرف الجنوب هذه الظواهر إلا بعد العام 1990م لكن الظاهرة تفشت وانتشرت كانتشار النار في الهشيم بعد حرب غزو واحتلال الجنوب في العام 1994م، حينما أبت السلطة الحاكمة أن تكون دولة وأصرت على إدارة البلاد بنظام العصابة وبثقافة مهربي الممنوعات.
لن نتساءل من أين تأتي المواد المتفجرة التي تباع في معارض بيع الأسلحة والمتفجرات، فالكل يعلم أنها تأتي من معسكرات الدولة، وليس هناك من تجار سلاح، سوى كبار القادة السياسيين والعسكريين في هذا البلد المغلوب على أمره.
نعم إن اجواء الحروب في ظل اللادولة -وحتى لو وجدت الدولة- تشكل بيئة خصبة لتجارة السلاح، فالطرفان المتحاربان يحققان المليارات من وراء هذه التجارة التي يدفعان ثمنها من قوت هذا الشعب المطحون، لكن سياسة الأبواب المفتوحة، لتجارة السلاح ظلت قائمة حتى في أفضل الاوقات سلما وسكينة بعد العام 1994م، لأن عملية التزاوج بين من يفترص انهم رجال الدولة، وبين التجارة وعلى رأسها تجارة الأسلحة، هي سيدة الموقف، في بلاد كاليمن.
ليس الملام في مأساة لودر، هو صاحب محل بيع الأسلحة والمتفجرات، رغم فداحة الكارثة وجسامة عواقبها، ولا الطفل الذي قيل أنه من شعل قداحة النار في مستودع المتفجرات، لكنها سلطة اللادولة التي تدير الجنوب منذ العام ١٩٩٤م بعقلية تاجر المحرمات، ومهربي الممنوعات.
أصدق مشاعر الحزن والألم وأحر آيات العزاء والمواساة أبعثها لأهالي الضحايا والجرحى وملاك المباني والمحلات التجارية وكل المتضررين من حادثة لودر المأساوية، ونسأل الله ان يتغمد الضحايا بواسع رحمته وان يشفي الجرحى وأن يعوض المتضررين بشرياً ومادياً.
ونقول لأهلنا في لودر إن المأساة ليست مأساتكم وحدكم، بل إنها مأساتنا جميعا ومأساة كل الجنوب والجنوبيين الذين دفعوا وسيظلون يدفعون فاتورة الغزو والاجتياح، والتي لن تتوقف إلا باستعادتهم لدولتهم كاملة السيادة على أرضهم المعروفة جغرافيا وتاريخيا حتى عشية 21 مايو 1990م.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم