خيرالله خيرالله
ما يجمع بين روسيا وإسرائيل!
لا يمكن الإستخفاف بالخلاف الروسي – الإسرائيلي الذي تسببت به أوكرانيا وذلك على الرغم من العلاقة العميقة والقديمة بين البلدين، وهي علاقة ظهرت بوضوح من خلال التنسيق بينهما في سوريا وغير سوريا. لكنّه لا يمكن أيضا المبالغة في توصيف الخلاف والرهان عليه، خصوصا انّ الإتحاد السوفياتي كان دائما في خدمة إسرائيل منذ قيامها. استمرّ الإتحاد الروسي في اتباع هذا الخط في مرحلة ما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي.
عندما يذهب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الحديث عن "دم يهودي" في شرايين هتلر، فهو يسعى إلى الإساءة إلى فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني اليهودي. لكنّه يكشف أيضا مدى افلاس السياسة الروسيّة في أوكرانيا. من المضحك الحديث عن "دم يهودي" عند الزعيم النازي المسؤول عن محرقة اليهود من اجل تبرير وصف زيلينسكي بـ"النازيّ". لا يدلّ مثل هذا التصرّف سوى على عمق الأزمة التي يعاني منها فلاديمير بوتين، وهي أزمة تعود أساسا إلى الحسابات الخاطئة للرئيس الروسي الذي لم يقدّر حجم المقاومة الأوكرانيّة للقوات الروسيّة الغازية.
دخلت الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا شهرها الثالث. ما زال الجيش الأوكراني يقاوم وما زال الأوكرانيون يرفضون الرضوخ لمشيئة قيصر الكرملين. ليس لدى فلاديمير بوتين سوى التصعيد في وقت لا يستطيع التراجع وممارسة سياسة تتسم بحدّ ادنى من الواقعيّة والتواضع. حسنا، إن روسيا تمتلك السلاح النووي ولكن ماذا عن الآخرين الذين يمتلكون مثل هذا السلاح. هل في استطاعة روسيا استخدام السلاح النووي الذي سيجلب عليها ردّا بالسلاح نفسه أم يفهم أنّ السلاح النووي لم يستهدف يوما سوى إيجاد توازن رعب يحول دون نشوب حروب؟!
لا يشبه فلاديمير بوتين سوى بعض القادة العرب الفاشلين مثل معمّر القذافي أو صدّام حسين. الإثنان عملا من اجل الحصول على القنبلة الذرّية وفشلا في ذلك. الرئيس الروسي يمتلك تلك القنبلة التي يلوّح بها بين حين وآخر. لو اكتفى الرئيس الروسي بحشد قواته على الحدود الأوكرانيّة، لكان سارع العالم، على رأسه الولايات المتحدة، إلى الوقوف على خاطره والسعي إلى التوصّل إلى تسوية معه. لكن فلاديمير بوتين قرّر خسارة الحرب بدل كسبها وذلك بمجرّد دخول جيشه الأراضي الأوكرانيّة والسعي إلى السيطرة على العاصمة كييف وإقامة نظام مختلف في أوكرانيا بديلا من النظام الحالي الذي على رأسه فولوديمير زيلنسكي الذي كان مجرّد ممثل استطاع الوصول إلى موقع رئيس الجمهوريّة.
مثله مثل صدّام، ارتكب فلاديمير بوتين كلّ الأخطاء التي يمكن لسياسي ارتكابها بدءا بجهله لطبيعة البلد الذي ينوي احتلاله. لم يكن الرئيس العراقي الراحل يعرف شيئا عن الكويت. اكتشف متأخرا، بعد احتلاله الكويت، أنّ لا وجود لمواطن كويتي مستعد للتعاون مع الاحتلال والقبول به.
دخل الجيش الروسي الأراضي الأوكرانية في الرابع والعشرين من شباط – فبراير الماضي. كان في اعتقاد فلاديمير بوتين أنّ معظم الأوكرانيين معه. اكتشف متأخّرا أنّ ذلك ليس صحيحا وأنّ أوكرانيا التي انفصلت عن الإتحاد السوفياتي، بعد انهياره، صارت أوكرانيا أخرى بعدما ذاق شعبها طعم الحرّية. وصل الأمر بالأوكرانيين، وهم في اكثريتهم من الأرثوذكس، أي انّهم مسيحيون، إلى انتخاب زيلنسكي رئيسا للبلاد، على الرغم من انّه يهودي.
مثلما فاجأت شجاعة الشعب الكويتي صدّام حسين، ومثلما فاجأت التشاد معمّر القذّافي، فاجأ الأوكرانيون فلاديمير بوتين. كانت حساباته في غير محلّها، بما في ذلك الاستخفاف بقدرة الجيش الأوكراني على المقاومة والصمود في وجه آلة حرب روسيّة، أقلّ ما يمكن ان توصف به انّها آلة متخلّفة.
مثله مثل صدّام حسين والقذّافي الذي ذهب في احدى المرّات إلى التشاد ليحتلّ جزءا منها، فقد فلاديمير بوتين ثقة العالم المتحضر به. لم يعد هناك من يريد التعاطي معه أو يثق به. فقد الرئيس العراقي الراحل ثقة العرب الآخرين والعالم عندما اجتاح الكويت معتقدا أنّ هناك من سيتفاوض معه على أمور أخرى غير الانسحاب من دون شروط من الدولة الجارة التي تمتلك ثروة نفطية كبيرة. رفض صدّام الخيار الوحيد الذي كان متاحا له... خيار الانسحاب من دون شروط.
يرفض فلاديمير بوتين حاليا أي خيار آخر غير التصعيد وذلك من اجل تحقيق انتصار ما قبل التاسع من الشهر الجاري يوم "عيد النصر" في الحرب العالميّة الثانيّة.
لا يدري الرئيس الروسي انّ الإنتصار الوحيد الذي يمكن ان يحقّقه بعد دخول الحرب الأوكرانيّة شهرها الثالث هو الإنتصار على الذات. هذا يعني الإعتراف بانّ روسيا ليست قوّة عظمى، ولا يمكن أن تكون كذلك، وأن كل صواريخ العالم وقنابله النوويّة لا تفيد في شيء عندما يكون الاقتصاد الروسي أقلّ حجما من الاقتصاد الإيطالي.
أن تدخل روسيا في ازمة مع إسرائيل، لن يقدّم ذلك ولن يؤخّر. ستبقى لدى إسرائيل وسائل ضغط داخل روسيا نفسها. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ هناك مصالح مشتركة روسيّة – إسرائيلية في غير مكان من العالم، تماما كما كانت هناك مصالح مشتركة بينهما ايّام الإتحاد السوفياتي. لم تنجح مصر في تحقيق أي خطوة إلى امام إلّا بعد طرد أنور السادات للخبراء السوفيات في العام 1972 ثم خوضه حرب أكتوبر في العام 1973 بغية الوصول إلى تسوية سلميّة مع إسرائيل. لو بقي الخبراء السوفيات في مصر، لما كانت استعادت الأراضي المحتلّة (سيناء) في العام 1967 يوما. لكانت سيناء مثل الجولان!
سيبقى الخلاف الروسي – الإسرائيلي في حدود معيّنة. يلتقي البلدان عند تدمير سوريا والقضاء عليها نهائيّا. دعم فلاديمير بوتين النظام الأقلّوي بغية بقاء بشّار الأسد في دمشق. لم تقدم إسرائيل يوما على أي خطوة في اتجاه الإنتهاء من النظام القائم في دمشق، على الرغم من علاقته المتجذرّة بايران. يشكّل هذا النظام ضمانة كي لا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الايّام.
ما يجمع بين روسيا وإسرائيل اكبر بكثير مما يفرّق بينهما. الأمثلة على ذلك لا تحصى!