العرب والديمقراطية وجماعات الإسلام السياسي
هناك مَن يتباكى على الديمقراطية التي أطاح بها قيس سعيد في تونس وليس في ذهنه إلا التفكير في مصير حركة النهضة الإسلامية.
لا يزال هناك مَن يندد بما يسميه انقلاب السيسي، كونه انقضاضا على حقوق الإنسان ونقضا لحرية التعبير ومن ورائه تقف أشباح الاخوان المسلمين الذين هم من وجهة نظره بقايا الشرعية.
هناك حديث معلن عن الثورة المضادة التي تهدف إلى طي صفحة الربيع العربي وهناك دول بعينها متهَمة بالتآمر من أجل التخلص من آثار ذلك الربيع.
كل هذا ينطلق من لحظة شعور عميق بالخسارة. لقد خسرت أحزاب الإسلام السياسي المعركة. على الأقل في المدى الزمني المنظور. غير أن هناك مَن لا يزال متمسكا بأمل استعادة السلطة عن طريق لعبة تعلمها الإسلاميون. الديمقراطية التي هي ليست واحدة من مفردات منطلقاتهم النظرية. ولكن التجربة الإيرانية ناجحة في ذلك المجال وتليها تجربة العراق التي لا تزال توحي بقدرتها على الاستمرار وإن كانت الميليشيات المسلحة التي ترعاها تحاول التهامها على غرار علاقة الحرس الثوري الإيراني بالديمقراطية الإيرانية.
الديمقراطية التي تم فرضها على العالم العربي بعد فشل الأنظمة السياسية القديمة لا يمكن تسويقها إلا من خلال واحد من وجوهها. الانتخابات هي ذلك الوجه. الديمقراطية بالنسبة للعرب هي صناديق الاقتراع. ما من شيء آخر يستحقونه من وجهة نظر الآخرين. هي حدث أشبه بالاستفتاء الذي يتبع عمليات تسوية عديدة تهدف إلى تكريس نتائج من غير الحاجة إلى التزوير المباشر.
ما صار متبعا أن يتم تزوير الأصوات وليس الأوراق.
لقد استضعفت الأنظمة السياسية العربية القديمة المجتمعات بحيث صارت غير قادرة على مقاومة الأوبئة الفكرية ذلك لأنها لا تملك مناعة تؤهلها لفك أسرار الظاهرة السياسية الدينية. ذلك ما يسر على أحزاب وحركات الإسلام السياسي عملية السيطرة على عقول الناس العاديين الذين هم الأكثرية بالمفهوم الديمقراطي. تلك الأكثرية التي كانت تبحث عن حل لمعضلاتها فإذا بها تصطدم بواقع ديمقراطي يفرض شعار "الإسلام هو الحل" باعتباره العصا السحرية.
كانت الديمقراطية بنسختها العربية وسيلة لإستيلاء الإسلامويين على السلطة من خلال صناديق اقتراع استقبلت أصوات الخائفين من الآخرة.
ذلك ما حدث في مصر مع محمد مرسي وما حدث في تونس مع حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي. كانت تجربتان فاشلتان على مستوى مأسسة النموذج الديمقراطي. ففي الدولتين أظهر الاخوان جهارا رغبتهم في اقامة دولة دينية على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران. كان استقبال الرئيس المصري محمد مرسي في طهران حدثا لافتا كما أن اعلان الغنوشي عن وقوفه مع ميليشيات الاخوان في ليبيا تجسيدا للتضامن الاخواني الذي يضرب عرض الحائط مفاهيم السيادة الوطنية واحترام القوانين.
في ظل الديمقراطية التونسية ذهب المئات من الشباب والشابات التونسيات للمشاركة في الحرب الأهلية السورية وكان نكاح الجهاد فضيحة تونسية.
أيكون قيس سعيد على خطأ حين يطرد حركة النهضة من الحلبة السياسية وهي التي أذلت تونس اخلاقيا ودمرت اقتصادها عبر السنوات العشر الماضية ولا تزال تخطط لربطها بالمخطط الاخواني الذي يُدار من تركيا؟
فعل سعيد ما هو مطلوب منه كتونسي وطني.
ديمقراطية النهضة ليست أهم من استقلال وسيادة ونزاهة وشرف وعفة واستقرار تونس. اما في مصر فليس صحيحا أي حديث عن انقلاب على شرعية الاخوان. تلك الشرعية كانت مستمدة من الشعب الذي قام بسحبها بعد سنة "ديمقراطية" استباح فيها الاخوان مصر وعرضوا نسيجها الاجتماعي للخطر.
كانت ديمقراطية الاخوان بابا مفتوحا على الحرب الأهلية.
ولكن هل تستقيم الديمقراطية في ظل وجود أحزاب تقوم على أساس ديني؟
تلك أحزاب لها جمهورها الواسع في ظل انهيار أنظمة التعليم في العالم العربي. جمهور مضلل لم يُتح له الوقوف على جوهر العلاقة الانتهازية والمنافقة التي تُقام بين الدين والسياسة. لذلك لم يكن من الصعب اقناع ذلك الجمهور بأن نصرالله والغنوشي وسواهما من زعماء جماعات الإسلام السياسي هم ورثة علي وعمر في العدل والنزاهة ونظافة اليد وعفة النفس.
في حالة من ذلك النوع لا يبقى هناك مجال لخيار الديمقراطي.
لا أميل إلى الحكم القائل بأن ما جرى من فوضى يعود سببه إلى أن العرب ليسوا جاهزين للممارسة الديمقراطية. الصحيح أن هناك نية مبيتة لإفساد الخيار الديمقراطي من خلال الدعم غير المحدود الذي حظيت به الجماعات الإسلامية من مؤسسات غربية ذات نفوذ واسع.
كانت ديمقراطية الربيع العربي مصممة على مقاس الإسلام السياسي الذي هو الآخر تعبير غربي تم تبنيه واشاعته من أجل استعماله حين يكون الارهاب موجها ضد الشعوب التي وقعت في شباكه.