فاروق يوسف
المرشد الإيراني مطمئن إلى خراب المنطقة
حين يقول علي خامنئي إن المفاوضات النووية تسير بشكل جيد فإن ذلك معناه أن المنطقة ذاهبة إلى مزيد من الخراب. فما من شيء يضمن أن المفاوضات اليمنية ستفضي إلى نهايات حسنة. اما لبنان فإنه سيظل أسير حزب الله والعراق سيظل ملعبا للأحزاب والميليشيات الطائفية التي تستنزف أمواله وما من أمل في التغيير.
ذلك ما تريده إيران. هل هو ما تريده الولايات المتحدة، الطرف الآخر في المفاوضات النووية؟ فضيحة أن يكون جو بايدن وخامنئي مسرورين لأن الاتفاق النووي على وشك التوقيع ولا يهم أن يكون ثمن ذلك التوقيع أن تُترك المنطقة جبهة لحروب الميليشيات الإيرانية. تحارب من خلالها مَن تشاء.
إيران التي ستطوي ملفها النووي من غير شروط تتعلق بسياساتها في المنطقة ستمارس مختلف صنوف العدوان على دول الخليج العربي سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. المهم أن الصواريخ الإيرانية ستصل الأراضي السعودية وأراضي دول الخليج الأخرى.
من السذاجة في ظل التفاؤل الإيراني توقع أن الحوثيين سيكون لهم موقف ايجابي في نهاية المفاوضات اليمنية. فما هم إلا دمى بإيد إيرانية. لا تنفع وسائل التشجيع معهم.
حين تطمئن إيران إلى أن كل شيء صار في متناول يدها فإن الحوثيين سينسحبون من المفاوضات ويعودون إلى حربهم.
تلك نظرة متشائمة، ولكنها تنسجم مع تفاؤل خامنئي.
أكثر من أربعين سنة وإيران تسعى إلى تدمير الأمن والسلام في المنطقة فهي دولة لا ترعى شروط حسن الجوار وهي لا تعترف بالمعايير الدولية للعلاقات بين الدول لأنها في الأساس لا تعترف بالقوانين الدولية ولا بالأعراف الدبلوماسية كما أن نظامها العقائدي القائم على مبدأ تصدير الثورة لا يسمح بإقامة علاقات طبيعية مع الدول المجاورة. ليست هناك صداقة تربط إيران بالمنطقة العربية. أصدقاء إيران من العرب هم عملاؤها وخدمها ومرتزقتها.
الميليشيات المسلحة هي واحدة من مظاهر الصداقة الإيرانية. لقد حرصت إيران على استغلال ضعف بعض الأنظمة السياسية أو غيابها لتنشر جماعاتها الارهابية وتجند الشباب من أجل خدمة مشروعها التوسعي. فكان لها حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والحشد الشعبي في العراق. وكما هو واضح فإن تلك الدول قد تهالكت بسبب ظروف سياسية داخلية مختلفة. فالعراق بلد محتل وفي لبنان أضعف النظام الطائفي الدولة حتى غيبها أما اليمن فإن الفراغ الذي أحدثه سقوط نظام علي عبدالله صالح سمح للقبلية بأن تستعيد هيمنتها على الدولة. كانت إيران واعية لكل ما يجري في محيطها الاقليمي لتجد فرصتها لوضع اليد على دول فقدت سيادتها وليس الاعتراف الأممي بها سوى حبر على الورق. إنها دول ورقية.
وحين تُطالب الولايات المتحدة بأن يكون لها الدور الأكبر في مساعدة تلك الدول في سيادتها من خلال وضع المسألة على طاولة مفاوضات النووي فلأنها بطريقة أو بأخرى مسؤولة عما جرى لتلك الدول. وليس هناك أدل على ذلك من وضع العراق المأساوي، البلد الذي احتلته الولايات المتحدة وأسقطت نظامه السياسي ومحت دولته بمؤسساتها وألغت جيشه ومن ثم سلمت الجزء المتعلق ببنيتيه السياسية والاقتصادية إلى إيران.
مسؤولية الولايات المتحدة عما شهدته المنطقة العربية من خسائر حصدت إيران أرباحها لا يمكن إنكارها. وهي مسؤولية قانونية غير أن الولايات المتحدة للأسف لا تعترف بالقانون الدولي حين يتعلق الموضوع بجرائمها.
وإذا ما مر الاتفاق النووي من غير أن تُجبر إيران على التراجع عن سياساتها التوسعية القائمة على رعاية ودعم الجماعات الارهابية فإن ذلك يعني أن الولايات المتحدة مصرة على الحاق الأذى بالدول العربية الصديقة لها. وهو ما سيدفع تلك الدول إلى أن تعيد النظر بصداقتها. فما معنى أن تكون صديقا لطرف يعرف أنه يلحق بك الأذى ولا يمتنع عن القيام بذلك.
حين يطمئن خامنئي إلى المستقبل فإن ذلك مؤشر خطير على أن مستقبل المنطقة سيكون سيئا. فأينما تضع إيران يدها يقيم الشر مملكته وينتعش الفساد وتتقافز الشياطين بين كراسي القيادة وتذهب الشعوب إلى الهلاك.
من المتوقع أن يكون المشهد مأساويا.
ولكن ذلك قد يكون نصف المشهد. اما النصف الثاني فإنه يتعلق بموقف الدول العربية التي كانت تعتبر نفسها صديقة للولايات المتحدة. من خلال ذلك الموقف يمكن أن يضع العرب أقدامهم على أرض الحقيقة. فهل العداء إيراني خالص أم أنه عداء إيراني مدعوم أميركيا؟