فاروق يوسف
روسيا تنتظر ما يقرره الغرب
من الصعب أن تحتل عاصمة دولة عيون العالم كله عليها. لذلك انسحبت القوات الروسية من محيط كييف. العاصمة الأوكرانية ليست هدفا في الحرب.
كما أن ما كل قيل عن ضم أوكرانيا إلى روسيا ليس صحيحا ولم تكن الحرب لتقوم من أجل ذلك الهدف الذي حاول الإعلام الغربي الترويج له.
فالحرب من وجهة نظر روسيا كانت اضطرارية. وهي دفاعية بالرغم من أنها اتخذت طابعا هجوميا. لروسيا أسبابها التي لا يتعامل معها الإعلام الغربي بطريقة جادة ولا ينظر إليها من جهة الأمن القومي الروسي الذي كان ولا يزال هدفا لنشاط حلف الناتو بإشراف مباشر من قبل الولايات المتحدة.
لم تكن هذه الحرب لتقوم لو أن الأوروبيين تمتعوا ببعد نظر يتيح لهم التعامل بتقدير مع مخاوف روسيا وهي دولة عظمى. لو أن هناك مسافة تفصل بين أوروبا والولايات المتحدة كما كان عليه الوضع دائما لما اندفعت دولة أوروبية في اتجاه الإعلان المبطن للحرب على روسيا.
لا تجهل القيادة الأوكرانية أن نصب صواريخ للناتو قريبا على أراضيها هو خط أحمر سبق للقيادة الروسية أن أعلنته عبر السنوات العشر الماضية. ولكن من يجرؤ على القيام بذلك لا بد أن يكون مدعوما بوعود أوروبية وليست أميركية فقط. فأوروبا هي التي ستتضرر إن وقعت الحرب ذلك لأن الولايات المتحدة بعيدة.
ما يهم هنا أن أوروبا حتى هذه اللحظة تقيم في غرفة العمليات العسكرية الأميركية. لطالما حلم السياسيون الأميركيون باستصغار أوروبا التي لم تكن روسيا تنظر إليها بعداء. ولأن أوروبا انزلقت إلى حرب العقوبات فقد صار عسيرا عليها أن تعرف ما الذي يدور في رأس الرئيس الروسي.
ولو أنها لم تتبن الموقف الأميركي الذي دفع بأوكرانيا إلى المطحنة لكان في إمكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو صديق بوتين أن يتوصل إلى مقاربة هي مزيج من التفهم للمخاوف الروسية والحقوق الأوكرانية تحول دون استمرار الحرب.
لا تريد الولايات المتحدة للحرب أن تنتهي وفي المقابل فإن روسيا لا ترغب في أن تنزلق إلى مشروع الحرب كما أرادته الولايات المتحدة، ولكنها في الوقت نفسه ترغب في إسقاط الحكومة الأوكرانية أو من تسميهم بالنازيين الجدد بسبب سياسة التمييز التي مورست في حق السكان ذوي الأصول الروسية. ربما لن تتخلى روسيا عن استقلال الجمهوريتين ذاتي الأغلبية الروسية، غير أن درسها في تأديب مَن تسميهم بالنازيين الجدد لن يدفعها إلى احتلال كييف.
أولا لأن الحرب تكون قد انتهت لتبدأ حرب أخرى هي حرب مقاومة وهي حرب استنزاف لا ترغب روسيا في التورط فيها.
ثانيا ستخسر روسيا تأييد معظم الدول التي تقف معها اليوم وهي دول ليست قليلة العدد.
ثالثا سيكون احتلال دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة مدعاة لرص المشهد الدولي ضد روسيا.
روسيا كما هو واضح من تحركات قواتها لا ترغب في احتلال العاصمة الأوكرانية بما يشير إلى أنها لا ترغب في ضم أوكرانيا إلى أراضيها بما يعني أنها تهب الأوكرانيين بالذات إشارات لحسن النية التي لا ترغب الولايات المتحدة فيها. ومما لا يليق بأوروبا أنها لم تعد طرفا ثالثا في الصراع الروسي – الأميركي.
الاتحاد الأوروبي فقد دوره الريادي والقيادي فهو لا يملك القدرة على اتخاذ مبادرة تضعه في موضعه المناسب. أوكرانيا هي مسألة أوروبية وما كان في الإمكان أن تتحول إلى سبب للقطيعة مع روسيا لولا أن أوروبا ارتضت أن تكون تابعة للولايات المتحدة.
لا تريد روسيا أن ترسم صورة أخيرة للحرب. ليس من مصلحة القيادة الأوكرانية وهي مهددة بالإزالة باعتبارها من وجهة نظر بوتين جماعة نازية أن تستمر الحرب إلى ما لا نهاية.
فالتأييد الشعبي يمكن أن يتحول إلى نقمة إذا ما تمكنت روسيا من اختراق ما تعتبره إعلاما مضللا إضافة إلى أن الواقع صار بطريقة أو بأخرى يكشف عن أن اللعبة لم تكن تنطوي على شيء من الترف الأوروبي. لقد تحول الأوكرانيون إلى لاجئين وصارت الأسلحة وحدها تتدفق على أوكرانيا.
يصعب القول إن روسيا قد خططت لهذه الحرب. كانت هي الأخرى ضحية بالرغم من صعوبة قول ذلك بسبب أن روسيا دولة كبرى. ولكن في النهاية فإن الأوكرانيين هم الذين سقطت على رؤوسهم القنابل وهم الذين تم تدمير بيوتهم وتشريدهم ولن تعيدهم مشاريع الإعمار إلى حياتهم السابقة.